بقلم : غرشون هكوهين باحث في معهد (  السادات بيغن)

قال الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط غرشون هكوهين، الذي يعمل باحثًا كبيرًا في مركز الدراسات الإستراتيجيّة (بيغن-السادات) في تل أبيب، قال في ورقةٍ بحثيّةٍ جديدةٍ إنّ الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المُتحدّة فجر الجمعة الماضي في العراق، يستحِّق وبجدارةٍ أنْ يكون رجل العقد الثاني في القرن الـ21 عالميًا بسبب تأثيره الكبير على التحوّلات الإستراتيجيّة في منطقة الشرق الأوسط، على حدّ تعبيره.

وتابع الجنرال هكوهين قائلاً إنّ سليماني ومن خلال استغلال منصبه الخّاص في القيادة الإيرانيّة كان عامِلاً مركزيًا ومفصليًا في جهود طهران لتحويل “الربيع العربيّ” إلى رافعةٍ لإحياء طموحاتها الإمبرياليّة، وبالإضافة إلى ذلك، شدّدّت الورقة البحثيّة، على أنّ سليماني استغلّ هذه الفرصة السانحة من أجل تأسيس “الهلال الشيعيّ”، وتوسيع التأثير الإيرانيّ الإقليميّ، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ موته أنشأ فراغًا قياديًا كبيرًا من الصعب جدًا أنْ يتمكّنوا من ملئه، كما جاء في الورقة البحثّية.

وأشارت الدراسة إلى أنّ القيادة الحربيّة تحمل في طيّاتها قدرةً وموهبةً على نحوٍ خاصٍّ، والذي هو أكبر بكثير من جمع مهاراتٍ احترافيّةٍ، تقنيّةٍ وتشغيليّةٍ، والتي يُمكِن الحصول عليها، مُوضِحةً في الوقت عينه أنّ الأمر يُشبه مشروعًا هندسيًا، الذي يُلزِم ويُجبِر المُهندس بالحصول على موافقةٍ وبشكلٍ مُتزامنٍ بين مُطوِّر المشروع وبين أصحابه، والقائد الحربيّ، أضاف الجنرال هكوهين، الذي يُواجِه تحدّيات جسام أكثر بكثير من المهندس، يتحتّم عليه أنْ يجِد السبيل المُناسِب للتوفيق والتفاهم بين المُستوى السياسيّ وبين المُستويات التنفيذيّة بشكلٍ خاصٍّ، كما أكّد الورقة البحثيّة الإسرائيليّة.

عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، شدّدّت الورقة البحثيّة على أنّه من نافلة القول أنّ المُستوى السياسيّ يتحمّل هو الأخر مسؤوليةً لخلق الظروف المُناسِبة بهدف إيجاد النقاش والخطاب الإستراتيجيّ، ولكن مسائل الخطاب وعمق مواضيعه، بالإضافة إلى تحديد التحوّلات واتخاذ القرارات المفصليّة تتعلّق بالمُستوى العسكريّ بشكلٍ مُباشرٍ، الذي يُلامِس التطورات العملياتيّة، كما جاء في الدراسة.

ولفت الجنرال الإسرائيليّ في ورقته البحثيّة إلى أنّهم قلائل هم الجنرالات الذين يتمكّنون من قيادة السفينة بشكلٍ صحيحٍ وإيجابيٍّ، في ظلّ التوتّرات القائمة بطبيعة الحال بين المُستويات المُختلفة في كلّ دولةٍ ودولةٍ، مُضيفًا أنّه أيضًا في تاريخ الجيش الإسرائيليّ تمّ تسجيل عددًا قليلاً جدًا من النجاحات في هذا المضمار، وسليماني، تابع الجنرال هكوهين، كان ممتازًا جدًا في التوصّل إلى صيغةٍ مُشتركةٍ مع المرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة، السيّد علي خامنائي، وبذلك حصل على ثقته المُطلقة، الأمر الذي نقله، أيْ سليماني، إلى درجةٍ عاليّةٍ من التأثير على صناعة القرار الإيرانيّ، بما في ذلك أكثر من الرئيس حسن روحاني، وهذه الصفات التي حملها سليماني غيرُ موجودةٍ في أيّ شخصيّةٍ إيرانيّةٍ، ومن الصعب جدًا العثور على شخصيّةٍ في طهران، تكون على شاكلة سليماني أوْ قريبةً من حملها للصفات والمزايا التي كانت تُميّزه عن الآخرين، قال الجنرال الإسرائيليّ.

 

بالإضافة إلى ما جاء أعلاه، أوضحت الورقة البحثيّة الإسرائيليّة أنّ سليماني برز كثيرًا بسبب الخلفيّة العسكريّة والتجربة الغنيّة التي جمعها في ميادين القتال، والعقيدة العسكريّة الخاصّة التي كان يتبنّاها خلال مسيرته، مُشيرةً إلى أنّه حصل على المجد في الحرب الإيرانيّة-العراقيّة (1980-1988)، إذْ أنّه خلال السنوات الـ8 من الحرب تكّونت وتطورّت رؤيته العسكريّة لكيفية خوض إيران لحروبها، وعلى نحوٍ خاصٍّ، بقيادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ، لأنّ الإمام الخميني كان يخشى كثيرًا من الجيش، الذي أقامه الشاه المعزول، وفقًا للجنرال الإسرائيليّ في الورقة البحثيّة.

وبناءً على ذلك، باشر الجنرال سليماني، كما أكّد الجنرال هكوهين، في بناء قدرة إيران العسكريّة الجديدة والمُتطورّة وتم وضع حجر الأساس لإنشاء الطاقات العسكريّة وتحويل الجيش الإيرانيّ إلى جيشِ عصريٍّ واقتناء القذائف والطائرات الحديثة، وتحضير العبوات الناسفة الجديدة، وبالإضافة إلى ذلك، قام سليماني، وفق الجنرال هكوهين، بتأسيس المليشيات في العديد من الدول العربيّة، والتي ستكون بطبيعة الحال تابعةً لإيران.

كما لفتت الورقة البحثيّة إلى أنّه منذ تعيين الجنرال سليماني قائدًا لفيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ تبنّى نهجًا جديدًا يقضي بتفعيل المليشيات التابعة لإيران، مثل حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن، بالإضافة إلى ميلشياتٍ أخرى في كلٍّ من سوريّة والعراق، على حدّ قولها.

وختمت الورقة بالقول إنّ ما ميّز الجنرال سليماني هو الإبداع الذي استعان به من أجل تحديد تصورّات القتال وانتهاج خططٍ عسكريّةٍ حديثةٍ جدًا، والتي عمل على أنْ تكون مُناسبةً ومنةً وليّنةً لكلّ بيئةٍ وأخرى تختلِف عنها، وفي الوقت عينه تدريب المُقاتلين على النجاح في المُهّمات المُلقاة على عاتقهم بامتيازٍ، مُضيفةً أنّه فعل ذلك من أجل إحياء الأطماع الإمبرياليّة الإيرانيّة، وبالتالي كان طبيعيًا أنْ يستغّل “الربيع العربي!ّ” لتحقيق طموحاته، على حدّ تعبير الورقة البحثيّة الإسرائيليّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *