محمد ناصر
اكثر من اربعة عقود من الزمن كان يمكن ان تكفي لبناء منظومة كهربائية في اي بلد من العالم الا في العراق فقد تعاقبت افعال الديكتاتورية المقيتة واجرامها ومن ثم سلالة سياسية فاسدة وفاشلة على المضي في اجترار وافتعال الازمات واستمراء اكل المال الحرام .. الكهرباء ملف الاتهام الاول لكل حكومات الفساد لانه يمثل وبرمزية عالية الجرح النازف لوطن اريقت دماء ابنائه من اجل ان يحظى بالكرامة والعزة .. وطن لم يبخل ابنائه بان يجودوا بانفسهم من اجل ان يدحروا الاحتلال الغاشم ويطردوا عصابات الارهاب .. ومن الانصاف ان يحظى مثل هذا الوطن ومثل هذا الشعب باستحقاقاته في مجال الخدمات ويستحق ان تقدم طبقته السياسية الحاكمة كل جهد في سبيل استقراره واسعاده … فهل حصل ذلك في العراق ..؟ بالتاكيد لم يحصل هذا بل على العكس .. الالام مستمرة والمعاناة مضاعفة و الفساد اضحى نموذج من حالة عامة سادت العملية السياسية وصارت هي الطريقة المعتمدة في الدولة العراقية حيث استشرت صفقات الفساد في جميع مفاصل الدولة وبرزت بشكل كبير في مفصل الخدمات التي تعنى بضروريات الحياة للمواطنين ومنها خدمات الكهرباء فاهلنا هناك يعانون في كل صيف من قساوة الطبيعة وقساوة الفشل السياسي والخيبة والخذلان مستمران مع الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي واصبح المشهد قاتما ومؤلما بحضور وباء كورونا ولم يعد مستغربا هذا الانهيار شبه التام لمنظومة الكهرباء وانقطاعها لاكثر من 15ساعة في اليوم وذهاب الوعود بتحسنها ادراج الرياح .
ان سياسة المخاتلة التي تنتهجها وزارة الكهرباء مع الشعب العراقي لم تعد خافية وان اساليب الفاسدين في هذه الوزارة باتت مكشوفة حيث التردي الواضح في تجهيز الكهرباء واعتماد المواطنين في هذه الظروف المأساوية الغير طبيعية في تأمين الكهرباء على المولدات الأهلية التي تجهز وحدات الطاقة الكهربائية وفقاً لنظام الأمبير ووصل سعر الأمبير الواحد الى (15) الف دينار .
هذه المعاناة المستمرة كان يمكن ان تنتهي بسقوط النظام البائد الا ان الفساد والفشل جعلها تستمر لعقود اخرى وكأن الاقدار كتبت على العراقيين بان لاينعموا بهذه الطاقة التي تتنعم بها شعوب اخرى لاتملك ربع الثروات التي يمتلكها شعبنا العراقي .. لقد ان الاوان لتشخيص اسباب هذا الفشل المستدام في ملف الكهرباء وفي مقدمتها ضعف الوزراء الذين يتسنمون مهام ادارة هذه الوزارة الحيوية المهمة و التعيينات العشوائية لغير الاختصاصات في هذا المفصل الخدمي ناهيك عن الصفقات المشبوهه التي استنزفت اموال الميزانية الانفجارية التي خصصت لهذه الوزارة ووصلت الى اكثر من ستين مليار دولار من اجل تحسين واقع الكهرباء المتردي .
ولابد من القول ان الفساد المالي والاداري هو المعضلة الرئيسية التي تقف عائقاً امام تحسن واقع الكهرباء في بلادنا حيث لاتزال الحكومات المتعاقبة عاجزة عن توفير طاقة كهربائية مستمرة الى المواطنين رغم انفاق عشرات مليارات الدولارات والتي كانت تكفي لبناء احدث الشبكات الكهربائية في العراق .
وبامكاننا القول ايضا ان الفساد في وزارة الكهرباء ينقسم الى قسمين هما الفساد المالي ويتمثل بالعقود الفاسدة والرشاوي التي استهلكت اموالاً طائلة واهدرت في مشاريع لم ترى النور ، اما النوع الآخر فهو الفساد الاداري المستشري بين مديريات الوزارة ويتمثل في عدم وجود المختصين لمواقع صنع القرار في الوزارة اضافة الى التدخلات المباشرة وغير المباشرة لنواب في البرلمان ومتنفذين تمكنوا من فرض اراداتهم بتواطؤ من جهات داخل الوزارة واصبح من الواجب اجتثاث مثل هذه االافات التي تعمل على اجهاض اي مسعى للنهوض بعمل الوزارة وبات الامل المرتجى ان يشمل السيد رئيس الوزراء الأستاذ مصطفى الكاظمي هذا القطاع الحيوي بقرار حاسم يقطع الطريق على الفاسدين ويمنح الوزير الجديد القدرة والدعم على اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة واتباع سياسة مدروسة وممنهجة تعيد الحياة لانتاج الكهرباء الوطني بما يخفف من معاناة المواطنين ويضع نهاية لمسلسل الانهيار في هذا المرفق الحيوي .