على مدار 38 عاماً لبت الأكاديمية الاحتياجات التعليمية لطلاب من خلفيات عربية وإسلامية من خلال الجمع بين الدراسات العربية والإسلامية والمناهج البريطانية
قبل يوم واحد من عطلة نهاية أسبوع مطولة تشمل القطاعات كافة في بريطانيا ومن المفترض أن تمنح الجميع الطاقة اللازمة للعودة إلى استئناف أشغالهم باندفاع وحماسة، كان طلاب أكاديمية الملك فهد في لندن وأولياء أمورهم والعاملون فيها استثناء، إذ سيمضون العطلة في قلق وحزن.
يوم الجمعة الخامس من مايو (أيار) تلقى الأهالي رسالة بريد إلكتروني من مجلس إدارة الأكاديمية، تعلمهم بأن المؤسسة قررت بشكل مؤسف إغلاق أبوابها مع نهاية العام الدراسي الحالي 2022-2023.
المدرسة تابعة رسمياً لمؤسسة خيرية مسجلة في إنجلترا (موقع الأكاديمية)
إشاعات سبقت القرار
كانت الإشاعات حول نية السلطات السعودية إغلاق المدرسة التي تستقبل طلاباً بين عمر ثلاث سنوات و18 سنة تتردد قبل أيام، لكن التأكيد جاء يوم الجمعة بأن الهيئة تشهد احتمالاً شبه مؤكد بإغلاقها لأسباب تمويلية.
ورد في الرسالة التي حصلت “اندبندنت عربية” على نسخة منها أن “المملكة العربية السعودية تعيد تنظيم وهيكلة منظومتها التعليمية. وبناء على ذلك، ستعدل استراتيجيتها في تقديم الخدمات التعليمية خارج المملكة، وتدرس إغلاق بعض المؤسسات التعليمية حالياً، والأكاديمية واحدة من تلك المؤسسات التي يجري النظر في إغلاقها … من المحتمل غالباً أن تغلق المدرسة مع نهاية العام الدراسي الحالي إلا إذا عثر على مصدر تمويل بديل”.
كان الخبر مفاجئاً لأن العملية التدريسية في الأكاديمية التي تأسست في عام 1985 بتوجيه من الملك الراحل فهد بن عبد العزيز تسير بشكل جيد وتحتضن في صفوفها حوالى 480 طالباً وطالبة من أبناء الجالية السعودية والعربية والمسلمة المقيمة في بريطانيا وما زالت قوائم الانتظار للتسجيل فيها طويلة ومليئة بأسماء أطفال وشباب يطمحون للجلوس على أحد مقاعدها لكونها واحدة من المدارس القليلة في البلاد التي تتبع نظاماً تعليمياً يجمع بين الدراسات العربية والإسلامية والمناهج البريطانية المقررة.
الهدف الذي حددته الأكاديمية عند تأسيسها قبل حوالى أربعة عقود في منطقة أكتون بغرب لندن هو توفير التعليم لأبناء الدبلوماسيين السعوديين وغيرهم من الراغبين في الحصول على تعليم ديني في العاصمة البريطانية “من أجل تكوين مجتمع تعليمي نموذجي ومهني، حيث يستفيد الطلاب من التعليم الواسع والمتوازن … استناداً إلى المعرفة الحقيقية بالعقيدة وانطلاقاً من أسسها الوسطية المعتدلة، نهدف إلى تنمية مجتمعنا (طاقم العمل والطلاب وأولياء الأمور)، ودعم مزيد من التفهم والانفتاح تجاه الثقافات والمعتقدات الأخرى. نحن نؤيد ونعزز القيم البريطانية الأساسية للديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح مع من ينتمون إلى الثقافات والديانات والمعتقدات المختلفة” بحسب ما ورد في موقعها الإلكتروني.
المدرسة تابعة رسمياً لمؤسسة خيرية مسجلة في إنجلترا، ويرأس مجلس أمنائها الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، وخرجت على مدار سنوات طلاباً وطالبات أثبتوا كفاءتهم وحققوا مسيرات مهنية ناجحة في مجالات القانون، والطب، والإعلام، والفن. يتلقى الطلاب السعوديون تعليمهم مجاناً في الأكاديمية، بينما تدفع الأسر غير السعودية رسوماً سنوية تبدأ بثلاثة آلاف جنيه استرليني لطلاب المرحلة الابتدائية وتصل إلى خمسة آلاف جينه في الصفوف الأخيرة من المرحلة الثانوية.
في عام 2017، قررت مؤسسة أكاديميات الملك فهد إغلاق فرعها في مدينة بون الألمانية، في خطوة قيل إنها تتسق مع التوجه الجديد في المملكة العربية السعودية وتقديم نفسها بعيداً من الصورة النمطية السابقة، وبعد الضغوط التي تعرضت لها من قبل أحزاب يمينية في ألمانيا واتهامات باستيراد الفكر المتطرف إلى ألمانيا، كذلك تم وقف بناء أكاديمية مماثلة تحمل الاسم نفسه في برلين، على رغم أن عمليات البناء كانت في مراحلها الأخيرة.
من الاحتفالات التي شهدتها المدرسة (موقع الأكاديمية)
صدمة الأهالي والطلاب
أصاب خبر إغلاق الأكاديمية في لندن الطلاب والأهالي والكوادر التدريسية بصدمة شديدة، بخاصة العاملين الذين يتعين عليهم التعامل مع فقدان وظائفهم من دون سابق إنذار وعدم منحهم فرصة لإيجاد بدائل.
أما الأهالي الذين بدأوا يسمعون إشاعات الإغلاق قبل أيام، أرسلوا خطاباً إلى المدرسة في الرابع من مايو في محاولة استباقية قبل تأكيد الخبر يقولون فيه إن “تعليم أطفالهم واستقرارهم أصبحا متروكين في وضع معلق”.
واشتكى أولياء الأمور أيضاً من عدم امتلاكهم الوقت الكافي للعثور على مدارس جديدة، نظراً لإغلاق باب التسجيل في المدارس الحكومية البريطانية للعام الدراسي 2023-2024، ما يزيد صعوبة مهمة تأمين مقاعد لأبنائهم في مدارس أخرى.
كذلك أطلقت مجموعة من أولياء الأمور حملة توقيع على موقع ’تشينج’ change.org في محاولة لمنع تنفيذ قرار الإغلاق والحفاظ على هذه المدرسة ثنائية اللغة التي كان لها الفضل في لعب دور مهم في خدمة الجاليات السعودية والعربية والمسلمة ضمن المجتمع المحلي في العاصمة البريطانية.
نقلت صحيفة “الخليج الجديدة” الإلكترونية عن أحد الآباء فضل عدم الكشف عن اسمه القول “سمعنا أنها مسألة تمويل. لكن السعودية تستطيع تحمل تكاليف استمرار تشغيل مكان كهذا بكل تأكيد. ومع توفير الاستثمار المناسب، يمكن لهذه المدرسة أن تصبح مركزاً للتعلم المتميز وأن تبرز أفضل جوانب التعليم البريطاني والإسلامي”.
بينما ذكر أحد المعلمين “كطالب سابق، وولي أمر ومعلم حالي، فأنا ما أزال في حالة صدمة… يتمحور قلقي الرئيس حول رفاه أطفالنا، كما أنني لم أتلق إخطاراً رسمياً بالإغلاق كولي أمر حتى الآن”، وفقاً للصحيفة نفسها.
أما البعض الآخر فتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم وإحباطهم وحزنهم.
غردت إحداهن على موقع تويتر “صرح شامخ وتاريخ حامل بالإنجاز. لطفلي شرف الانضمام لكوكبة طلابها ولو لفترة قصيرة. ولنا جمال رؤيتها من النافذة كل صباح.
آلمنا خبر إغلاقها، وإني أسترجع مروري بين صفوفها وآيات القرآن تشرح صدورنا التي طحنتها الغربة”.
ووجهت أخرى في منشورها رسالة تحمل نوعاً من الرجاء قالت فيها “أرجو من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يعمل على عدم إغلاق أكاديمية الملك فهد في لندن لأنها تخدم أبناء الموفدين وأبناء المبتعثين في لندن وأيضاً كثيراً من العرب والمسلمين، إذ يلجأ لها المسلمون لتعليم أولادهم تعاليم الإسلام”.
وبنبرة غاضبة كتب آخر ” يقال إن أكاديمية الملك فهد في لندن ستغلق أبوابها لعجز مالي! هذه الأكاديمية كانت حاضنة لأبناء السعوديين والعرب والمسلمين في لندن وملاذاً آمناً بمناهجها العربية والإسلامية. السؤال ما هو البديل؟”.
الوقت وحده كفيل بالإجابة عن هذا السؤال، ومعرفة ما إذا سيتم إنشاء مراكز وأكاديميات أخرى بالمستوى نفسه تساعد الجاليات العربية والإسلامية في ممارسة معتقدها من دون حرمان أبنائها من التحصيل العلمي المعتمد في البلد الذي يستضيفهم.