د.عادل جعفر
استشاري طب نفسي
هل حقاً الخوف ابو الاخلاق و هل حقاً من لا يخاف لا اخلاق له؟!

هل يبقى الانسان أمينًا على اخلاقه عندما تنكمش الاخلاق في نظره إلى مجرد “صح وخطأ” تبعاً لما سيرتدّ عليه؟
قام نيتشه بأختصار تراجيدية ازدواجية طبيعة الإنسان “إنسان/حيوان” في جملة واحدة: “الخوف أبو الأخلاق”. و يقول العراقيين “ عايش طول عمره يمشي بصف الحايط “.
متى تحصل الفاجعة؟
تحصل عندما يشعر الإنسان أنه متحرر من كل ما يتجاوزه وأنه هو وحده المسؤول عن تحديد أخلاقية أفعاله ،في تلك اللحظة يطلق العنان للحيوان الكامن داخله. اذ يبقى التحضر قشرة رقيقة هشة تُخفي بدائيةً ما زالت تقود الإنسان وتضبطها القوانين والإملاءات الدينية والمجتمعية” و كذلك المعتقدات و القيم و الخبرات الفردية .
لا تنتهي العلاقة بين الاخلاق و الخوف بهذه السهولة !!. فالعلاقة اكثر تعقيداً
و الدماغ لاعب أستراتيجي في هذه العلاقة!!.

في الوقت الذي يمكن للخوف أن يكون دافعًا قويًا للسلوك الأخلاقي ، فالعكس يمكن ان يكون صحيح أيضاً.

فالخوف من العقوبات القانونية
أو الخوف من الرفض الاجتماعي
يمكن أن يردع الأفراد عن الانخراط في سلوك إجرامي أو غير أخلاقي و يدفعهم للتصرف بطرق تتفق مع المبادئ والقيم الأخلاقية… في هذه الأمثلة كان الخوف بمثابة حافز للسلوك الأخلاقي.
أما على الجانب السلبي ، يمكن للخوف أيضًا أن يدفع الأفراد إلى التصرف بشكل غير أخلاقي.
على سبيل المثال الخوف من المجهول أو من الآخر يمكم أن يؤدي الى التحيز والتمييز و الذي يمكن أن يصل الى ارتكاب أعمال عنف ضد الآخرين … أفراداً كانوا أم جماعات و الذين ينظر إليهم
على أنهم مصدر تهديد.
علاوة على ذلك ، يمكن أن يؤدي الخوف المفرط أو القلق إلى تصرف أحدهم بشكل اندفاعي أو غير عقلاني مما قد يؤدي الى نتائج وخيمة.
قد بدا لنا أن السلوك الأخلاقي للبشر أعتمد على ما هو “صحيح” و “منطقي”.
و هناك أمثلة وقائية صارخة في حياتنا كبشر مثل “القتل فعل خاطئ” أو “السرقة فعل خاطئ”!!.
مع ذلك ، فإن هذه العبارات تقف على النقيض من عبارات مثل “افعل للآخرين كما تريد أن يفعلوا لك” أي بمعنى
” العين بالعين و السن بالسن”
هنا يكون الإحساس الأخلاقي واضحًا لكن الأثار المترتبة لهذا الأحساس ليست كذلك .
السؤال من هو المسؤول الأول عن المنظومة الأخلاقية لدينا كبشر؟.

قد أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن الأخلاق يمكن أن تُبنى في طبيعة هويتنا و في المستوى البيولوجي منها .
أذ أظهرت الدراسات أن هناك ما يعرف ب “محاسب” الدماغ !!.
هذا المحاسب هو الذي يوازن المخاطر والفوائد ،وهو جزء مركزي من شبكة من مناطق الدماغ التي تشارك في الاستعداد الأخلاقي الفطري.
و هي ، “قشرة الفص الجبهي البطني” الواقعة في مقدمة الدماغ و التي ترتبط
بشكل كبير بمناطق أخرى الواقعة على الجانب الأيمن من الدماغ و التي تبدو لنا أنها طريقة “فطرية” تعزز السلوك الذي يأخذ احتياجات الآخرين في الاعتبار و يسمّى هذا بالسلوك المؤيد للمجتمع .
القصة لا تنتهي هنا أبداً!؟.
فهناك أنظمة دماغ أخرى تتجاهل و تتحدى هذا النظام الأخلاقي. هذه الأنظمة الأخرى هائلة جداً ، وعلى الرغم من الأخلاق الفطرية التي قد تكون لدينا ، فإن مناطق الدماغ الأخرى هذه قد تؤثر بقوة على طريقة تفكيرنا وشعورنا!!.
اثنان من أكبر التحديات التي تواجه الشبكة الأخلاقية في الدماغ هما شبكة “الخوف” وشبكة “الرغبة الشديدة” – وكلاهما له مكونات تلقائية تؤثر بقوة على العقل الأخلاقي.

شبكة الخوف تتألف من اللوزة الدماغية باعتبارها العمود الفقري الذي يتصل بمناطق الدماغ المحيطة ….. هذه موجودة بقوة في الدماغ البشري بحيث يمكنها تسجيل المخاوف تمامًا خارج نطاق الوعي.

إذا نظرنا إلى جريمة القتل أو السرقة أو حتى الخيانة الزوجية ومجموعة أخرى من وجهات النظر الأخلاقية، يمكننا أن نرى أن مركز الخوف هذا يعطل معالجة “محاسب” الدماغ وعلى الرغم من استعدادنا الأخلاقي الفطري ، فمن المرجح أن تجعلنا بعض المخاوف اللاواعية نتصرف بشكل منسق مع هذا التأثير لدماغ الخوف البدائي و نفشل في السيطرة عليه مهما كافحنا ضده.

على سبيل المثال ، إذا كان احد الزوجين يخاف أن يفقد شريك حياته أو يشعر بغيرة مرضية من علاقاته فقد يختار في الواقع أن تكون لديك علاقة غرامية لأنه يسعى للسيطرة على هذا الخوف.

واقعاً ينشط الرجال بشكل خاص منطقة اللوزة الدماغية عندما يشعرون بالغيرة .
كذلك تنشط اللوزة الدماغية أذا كنت تخشى عرق او دين أو مذهب معين و قد تتعرض للتحيز الفطري ضدهم .
و هذا يثبت أنه على الرغم من أن الأخلاق فطرية و يعالجها المحاسب في الدماغ ضمن شبكة عصبية تبدأ من مقدمة الدماغ ، إلا أن هذه الأخلاق الفطرية نسبية وخاضعة لتأثيرات قوى بدائية تغمرنا أحيانًا.

وبالمثل ، فإن الرغبة الشديدة هي أيضًا تلقائية بقوة ويخدمها الدماغ البدائي. وعلى الرغم من أنها تخضع لتأثيرات العقل “المفكر” في الفص الجبهي ، إلا أنها بإلاضافة لديها قوة هائلة خاصة بها.
وبالتالي فإن الرغبة الشديدة هي أيضًا خصم هائل للأخلاق في الدماغ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *