حسين علي غالب بابان

كم هو غريب رفيقي الهندي في السكن فتعلقه بهذه القارورة يثير استغرابي و تعجبي، أن هذه القارورة المغلقة لا يفارقها منذ أن تعرفت عليه، كلما أساله عما فيها يجيبني بجواب قصير لم أفهمه:
– أن روح و جسد أبي في هذه القارورة.
كيف أن روح إنسان في قارورة، وكذلك جسد الإنسان الضخم كيف يمكن وضعه في قارورة يتم حملها باليد..؟
اللعنة أن الخوف بدأ يتسلل إلي فقد يكون قد وضع في القارورة ذهبا أو مالا مسروقا، ولا يريد أن يريها لأحد لكي لا ينكشف على حقيقته.
كان لابد بأن أقرر قرارا مهما وهو بأن أفتح القارورة مهما كانت الوسيلة أو الثمن الذي أدفعه من أجل فعلتي هذه، راقبت رفيقي الهندي وإذ أجده يخرج من الشقة، ولكنه لم يأخذ القارورة اللعينة معه.
تأكدت من خروج رفيقي الهندي، وأخذت القارورة و حاولت فتحها، ولكنني لم أنجح فهي مغلقة بإحكام شديد،رفعت القارورة عاليا و رميتها على الأرض بكل ما أملك من قوة لكي أكسرها، ولكنني فشلت فالقارورة صلبة للغاية وكأنها مصنوعة من الفولاذ..!
أعدت القارورة في مكانها وهي لم تتأثر، وعاد رفيقي الهندي ودخل إلى الشقة فوجهت أنظاري إليه:
– ان لم تكسر هذه القارورة فساضطر لطردك من الشقة أو الاتصال بالشرطة.
صمت رفيقي الهندي لعدة ثوانٍ بعدما انتهيت من كلامي:
– أنا أسف لإزعاجك، واليوم وبما أنه نهاية الشهر فسوف تشاركني حزني فقط انتظر لحظة غروب الشمس.
كالعادة لم أفهم كلام رفيقي الهندي فما دخل القارورة بمشاركتي حزنه، ولكن ما الذي سأخسره فبعد قليل تغيب الشمس، و سأرى بعيني ما الذي تحتويه القارورة اللعينة هذه.
حان وقت غروب الشمس، وخرج رفيقي الهندي مسرعا من الشقة، وأنا أتبعه حتى توقفنا عند مرتفع قريب من شقتنا وأدخل إصبعه في القارورة وفتحها و سلمني أيها.
أدخلت يدي في القارة ولم تكن تحتوي سوى على رماد جزء منه باللون التراب، والجزء الأخر لونه أسود.
التفت إلي رفيقي الهندي:
– أرجوك انثر الرماد كله في الهواء الآن، وبعدها اترك القارورة على الأرض.
نفذت كلام رفيقي الهندي، ونثرت الرماد كله في الهواء، وبعدما انتهيت تركت القارورة اللعينة على الأرض.
نظرت إلى رفيقي الهندي وإذ أجده يبكي بغزارة:
– لماذا تبكي..؟
– لقد أطلقت سراح روح وجسد أبي الآن.
لم أفهم كلام رفيقي الهندي:
– وما دخل أباك بهذه القارورة..؟
– هذه من عاداتنا الدينية.
عدت أنا، ورفيقي الهندي إلى الشقة، ولكن كان لدي سؤال واحتاج لإجابته، وهو ما دخل أبي رفيقي الهندي بالقارورة.
لم استغرق وقتا طويلا لكي أحصل على الإجابة فلقد بحثت على شبكة الإنترنت عن معلومات عن العادات الدينية في الهند، حتى عرفت بأن الأبناء يحرقون أجساد آبائهم و أمهاتهم ويجمعون رماد أجسادهم ويضعونها في قوارير وبعد مدة ينثرونها بالهواء لكي تتحرر أرواحهم وأجسادهم من الخطايا والذنوب، ورفيقي الهندي جعلني أنثر رماد جسد أبيه المحترق في الهواء.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *