مصطفي ضبع/ كاتب من مصر  

بشوش الوجه هو رغم علامات الزمن على وجهه وعينيه التي يكاد يستطيع فتحهما , لا تخطئه العين بمشيته البطيئة الصعبة وقفشاته النادرة ولهجته القاهرية المميزة , كان يجلس في ظل الحائط المبني من الطوب اللبن حتى تلاحقه الشمس يراوغها للداخل كما يراوغ السنين لكن في زيارتي الأخيرة وجدت الشمس قد داهمته وهو يشير إلي كي أساعده لم يستطيع الوقوف بمفرده , أيقنت وقتها أن الزمن  دائما يفعل بنا فعلته , عم عرفه يعرفه الجميع بعزة نفسه ومفرداته الخاصة .وتاريخ طويل هضمه ولم يعد يجتره كثيرا إلا لمن يحب .

حكايات وحكايات كنت أغوص فيها معه ، نحيت عني بضاعته التي يقتات منها وجلست كتلميذ يجثو على ركبتيه أمام معلمه .أشار بيده كأنما يفتح الستار , رأيته عندما كان يحارب  .لكن لم يكن  يدري من يحارب ولماذا ..؟؟ !!! أبكاني  عندما أراني كيف قفز داخل خندق فوجد تحت قدميه كومة من أشلاء جثث فأصابته لوثه .

تجولت معه في قاهرة الماضي البعيد .الحسينية .الجمالية .الدرب الأحمر أراني الفتوات والحرافيش .تماما كما رأيت في التلفاز .

قلت له :يا معلم هل أنت معلم حقيقي  ” ولا عيرة ” ضحك ضحكة أعادتني إلى زمن الحرافيش ثم قال : “الدنيا أكبر مدرسه والزمن أحسن معلم ” .ثم لكزني في خاصرتي قائلا ” يامعلم ” قالها بتسكين الميم وفتح العين مع مدها مدا طويلا  ثم كسر اللام وتسكين الميم “على طريقة شكوكو ” ، تركته جالسا في بساطته إلى جوار بيته المتهالك القابع وحيدا في الحارة التي بعد أن تركها أهلها إلى المباني الحديثة

وعندما عدت من السفر أردت أن أروي ظمأى من المعرفة والتاريخ على يد المعلم وجدت المكان خاليا والشمس تلتهمه . قيل :  مات .قلت بل داهمه الزمن وفعل فعلته  والشمس التهمت مكانه ليكون الدرس الأخير ” دوام الحال محال”.

خلتني أسمع صوته بضحكته المميزة قائلا ” إنتهى الدرس يا غبي …أقصد يامعلم ”  تمت

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *