حاورته الصحفية والأديبة العراقية / دنيا صاحب
أفتتح الفنان التشكيلي والطبيب العراقي علاء بشير معرضه الشخصي في لندن، بعنوان : “المساومة القاسية”، يوم الجمعة الموافق لتاريخ 13 من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، عرض لوحات تشكيلية بحجم 4×2 أستخدم فيها نوع قماش كانفس وألوان زيتية جريئة ناعمة الملمس، وهي عبارة عن إيحاءات بصرية بلغة سردية يتحدى فيها كل المنعطفات التقليدية بالرسم التعبيري السيريالي، وتعد هذه اللوحات من أهم الأعمال التشكيلية التي قدمها الفنان خلال مسيرته الفنية قاطعًا شوطاً كبيراً حافلاً بالإنجازات المبهرة، يغتني فكرياً بمختلف التصورات التعبيرية عميقة المحتوى تتجلى من فيض خياله الرحب و عقله الباطن اللاواعي، وغدت أعماله التشكيلية بهذا المقام الرفيع المستوى شكلت تجربة مغايرة في سماء الإبداع العالمي، فقد عمد بحزم واجتهاد في صنع أعمال تشكيلية متنوعة بحرفية فنان و نحات ماهر تشكل حيزا مهماً في تاريخ مساره الفني قدمها بمعارض عديدة ، ولعل ذلك الغنى يعود إلى ما يكتنزه
من ثراءه الفكري والثقافي حصيلة سنوات طويلة من الخبرة والمعرفة في مجال الطب والفن معاً حيث كانت له علاقة وثيقة بالفن والنحت قبل أن يزاول مهنة الطب وهو في مقتبل العمر، فهو يعنى عما يعتمل بنفسه من مشاعر وعواطف وأفكار ورغبات بطريقة عفوية وتلقائية مع تحييد تام لمراقبة العقل الباطن اللاواعي بتخيلاته الحسيه تتدفق تلك التصورات المعبرة عن هذه الأفكار التي تثير التساؤلات عن ماهيتها في الوجود، كما إن له آثر كبير في التوعية الاخلاقية و خلق أجواء تعريفية عن حقائق منزوية خلف الأقدار الموكلة بالمنطق وكأننا نستعيد ما سطّره التاريخ القديم الذي جعل الصورة بمعناها العام تتبوأ الصدارة في الحاضر والمستقبل ، تتمثل حالات مر بها الفنان علاء بشير نتجت منها ولادة الصحوة الروحية الداخلية التي لامست أسلوبه الخاص، مما جعلته
ينهض بأفكاره الإبداعية برسائل إنسانية تتضمن خطاب الضمير الحي وتنعكس على الواقع الآنسان بتأثير (سيكولوجي- فسيولوجي) وهكذا يؤدي دوراً مهماً في تاريخ الفن الحديث وإحياء تراث الحضارة الرافدينية باحثًا عن مفاهيم جديدة قادرة على استيعاب ما تزخر به من خطابات فلسفية عن قضايا الإنسان في الحياة بين التفسير التاريخي والمنطقي ومن هنا بدأنا هذا الحوار الإستثنائي بكل شفافية وعفوية مع الفنان الرائد والطبيب القدير علاء بشير .
(المقاومة القاسية.. تحديات بصرية تعكس بانوراما سيريالية (فوق الواقع)
** بدايةً عَرف الإنطلاقة الفكرية التي تبنيتها قاعدة أساسية في إنشاء لوحات معرضك الجديد المقاومة القاسية.؟
_ أحاول في كل لحظة أرى السماء وما فوق الأرض التي أعيش عليها وأن أرى ما تحت الأرض التي أسير عليها من بقايا الزمن المدفون .
** في إطارك الفني والفلسفي الذي يحاكي الإنسان بطريقة الإيحاءات والرموز المشفرة إلى ماذا تعزو بهذه الرؤى والأفكار العميقة.؟
_ إن الإنسان مخلوق وليس خالق، والإنسان محكوم بين لحظة الحياة ولحظة الموت . وفي كلا الحالتين لم تكن له الحرية في الإختيار .
** تتخل أعمالك الفنية صحوة روحية وفيض الإلهام ينطلق من عالم الخيال على شكل صور مبهرة مجسمة في مسرح وجودي مرتبطة مع معطيات العقل الباطن اللاواعي أو اللاشعوري كيف تفسر هذه الحالة الخاصة بك وما تأثيرها نفسياً على المتلقي . ؟
_ منذ العام ١٩٥٩، وفي حوار من صديق إلى صديق وهو الشاعر العراقي مظفر النواب ، رأيت إنه من الغباء رسم الشجرة دون الإشارة إلى جذورها التي هي مصدر وجودها وكذلك رسم الأشخاص بغلاف جلودهم وملابسهم ، كما كنا نرسم مظاهر البيوت وألوان الجدران ونتغافل بغباء عن الإنسان الذي يشغل هذه البيوت وما يحمله من خير أو شر.
** كيف إكتسبت هذه المهجة الروحية التي تنفذ إلى العقل الباطن من حيث تعيد صياغة الماضي برؤية تعبيرية تجمع بها الحاضر والمستقبل و الخيال والحقيقة في إطار يتحدى القواعد الثابتة وأبجديات المعرفة . ؟
_ في الإجابة على هذا السؤال ، أقول : ربما ما شاهدته من أعداد الموتى الممزقة أجسادهم ومن اعترافات الجرحى الذين كانوا يزحفون على الخط الفاصل بين الحياة والموت .
** نرى إنك تعبر عن آراء منطقية مسبقة أو وجهات نظر أو حالات نفسية أو حلم أو فكرة غامضة تمكنت تحضيرها بالعقل الباطن اللاواعي بإسلوبك الخيالي العجيب وعزوفك عن الإسلوب الواقعي نسخ الصور المباشرة من الطبيعة الظاهرة ماهو منظورك لكلا الحالتين.؟
_ علينا تعريف وتشخيص ماذا نعني بالأسلوب الواقعي هو استنساخ المنظور الظاهري السطحي والتعبير عنه بفن الواقعية المفرطة وله طرق وأجتهادات كثيرة آنا أحاول جاهداً آلا أقع في فخ الإستنساخ الواقع الظاهر قدر المستطاع، لكن التعبير عن رؤى تخيلية فوق الواقع هذا الفن لا يشاهد بالعين المجردة ولكن يشاهده كل الأحياء من البشر إلى أصغر الكائنات الحية برؤية بصرية حسية من خلال نافذة روحية حسب درجات الوعي و قوة الحواس الإستشعارية والتخيل .
** إلى إي بعد روحي ترتقي به خلجاتك النفسية التي جسدتها أعمال تشكيلية ترتقي إلى فوق الواقع فسر لنا وجهة نظرك . ؟
_ أوجز بما يلي بتفسير مبسط : أعتقد إن الموسيقى هي وسيلة التعبير الأسمى لمظاهر الإنسان وأبعاده الروحية وحيرته وهو يسير في الحياة بين رحم أمه و يصل إلى رحم الأرض ( قبره) أعتقد أن فن الرسم ( ليس استنساخ الواقع) وإنما يتجلى من فوق الواقع الظاهر وإنه ظل الموسيقى لأنهما يعبران عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية بمنهج واحد، للتوضيح أضرب لكِ مثلاً : نحن نتكلم عن الحب والتعبير عنه. { الحب بين الإخوة ، الحب بين الأصدقاء، الحب بين الرجل والمرأة، الحب بين الأم وطفلها الحب بين الأب وأولاده، لا شك أن التعبير عن الحب بين الأم وأولادها أعمق بكثير من رسم امرأة تحتضن طفلها. هنا لابد من اللجوء للطرق التعبيرية تحمل المدلولات الإستشعارية المؤطرة بالتشبيهات المبهمة والدلالات القوية التي تصور المجازات تصويرًا بليغاً خارج حدود الحالات الظاهرة وهو فوق الواقعية يعبر الفنان عن قضايا الإنسان في الحياة حسب رؤيته التخيلية ، وليس استنساخ صورة امرأة وطفلها بنظرة واقعية سطحية، ينبغي على الفنان أن يكتشف حقيقة مواهبه التي حباه الله بها فهو كائن حساس يستطيع أن يدخل أعماق الوجود ويستشعر المكنونات الجوهرية ويعبر عنها بأدواته الفنية وغيرها من الخصائص الرسم التي تجعل المتلقي يستشعر ويبصر الرسائل الإنسانية والكونية الموثقة في أعماله الإبداعية .
** مالذي تطمح إلى تحقيقه في المستقبل من ناحية أعمالك الفنية.؟
_ أحاول أن يقودني الفن إلى نافذة جديدة في الحياة كنت غافل أو بعيد عنها.
** ماهي رسالتك الإنسانية التي كرست نفسك جاهدًا في تبليغها لمجتمعات العالم.؟
_ تساعدني لوحاتي دومًا أن أنظف نفسي من الكراهية والحقد وهي تعمل دومًا كمراقب لهذه العملية وكأنها الضمير الحي وهذا هو مضمون رسالتي الإنسانية .
** كلماتك الأنيقة في خاتمة الحوار تود أن توجهها للقراء المتابعين وعشاق الفن السريالي حول العالم.؟
_ أتمنى أن يتمتع الجميع بمعنى الحياة الحرة الكريمة .
السيرة الذاتية للفنان و النحات والطبيب علاء بشير
ولد في عام 1939 في العراق، وبعد إكمالهِ لدراستهِ الأولية والثانوية أكمل دراسته في كلية الطب في جامعة بغداد وتخرج منها عام 1963. ثم حصل على شهادة الاختصاص بالجراحة التقويمية – التجميلية في سنة 1972 من بريطانية. ابرز ما تخصص به في مجال الطب هو إعادة الأطراف المبتورة منذ بداية عقد الثمانينيات في القرن العشرين. ولقد ذاع صيته بعد أن أجرى عملية جراحية أعاد فيها يداً مقطوعة، بآلة حادة في سنة 1983، في مستشفى الطوارئ (الواسطي – حالياً) في بغداد. كذلك ساهم بمعالجة المتضررين من حروق وتشوّهات أثناء الحرب العراقية الإيرانية منذ سنة 1980 ثم كذلك أثناء وبعد حرب الخليج الثانية حتى سنة 2004 بعد انحطاط الاستقرار الأمني في العراق عقب الغزو الأمريكي للعراق في نيسان 2003 . .خاض علاء بشير تجربته الفنية الأولى برسم اللوحات الانطباعية في خمسينيات القرن العشرين ثم تغيّر الأسلوب الفنّي تدريجياً في نهاية الستينيات ليُعانق السريالية (فوق الواقعية)