عن رأي اليوم:  زهير أندراوس:

قال دنيس روس، الدبلوماسيّ اليهوديّ- الأمريكيّ سابِقًا، إنّ الاحتجاجات التي تعم لبنان وإيران هي ليست فقط ضدّ سوء الإدارة الاقتصادية والحكومة غير الفعالة والفساد المستشري في أوساط النخب السياسية محليًا فحسب، بل أيضًا بنفوذ إيران المسبّب للفساد والتي تستغِّل بلديهما من أجل تمويل وتسليح الميليشيات التي لا تخضع للمساءلة أمام دولها، على حدّ تعبيره.

وتابع: إذا ما أضفنا هذه الاحتجاجات إلى أعمال الشغب الواسعة النطاق التي اجتاحت إيران مؤخرًا، يعتبر الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب هذه التطورات دليلاً على أنّ ما يسمى بسياسة الضغط الأقصى التي تمارسها إدارته والقائمة على تضييق الخناق على الاقتصاد الإيرانيّ تؤتي ثمارها. وليس من المفاجئ أن تكون الإدارة الأمريكية مصممة الآن على تشديد سياسة العقوبات، وهي على قناعة بأنّ هذا الأمر سيُرغِم طهران على الإذعان والسعي إلى إجراء مفاوضات، مجددةً استعدادها لتقديم تنازلات على صعيد برنامج النظام النوويّ وسلوكها في المنطقة، على حدّ قوله.

والآن، شدّدّ روس، يشير المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانيّة علي خامنئي إلى سوريّة ولبنان باعتبارهما جزءًا من جبهة “الدفاع الأمامي” لإيران. وقد نفذت إيران إستراتيجيتها باستخدام القوة الصارمة والناعمة على حدٍّ سواء، بنقلها أسلحةٍ موجهةٍ بدقّةٍ إلى مناطق لا تحتكر فيها الحكومات استعمال القوة في كلٍّ من سوريّة والعراق، وتدريب ميليشيات شيعية في سوريّة والعراق ولبنان واليمن ونشرها بأدنى تكلفة على طهران، وتكملة هذه الأدوات العسكرية بحوافز القوة الناعمة المُصمَّمة وفقًا للسياقات المحلية، كما أكّد.

والنتيجة الصافية: يبدو أنّ إيران أحكمت قبضتها على القادة والحكومات في العراق وسوريّة ولبنان، كما حققت هدفها المتمثل بإملاء السياسات ودمج وكلائها ضمن المؤسسات الحكومية لضمان النفوذ على المدى الطويل. وبعد استعراض هذا المشهد الاستراتيجي، تَحدَّث صناع السياسة الأمريكيون بجرأةٍ وعلنًا عن ضرورة تراجع إيران لكنهم لم يقترحوا مطلقًا إستراتيجية فعالة ومُموّلة بشكل مناسب لتحقيق هذا الهدف.

 

وبرأيه، يُعتبر واقع أنّ الجمهور الشيعي الكبير في العراق ولبنان يشكل جزءًا لا يستهان به من التظاهرات ضد الحكم الطائفي وسيطرة إيران، خير دليل على نقاط ضعف طهران وصعوبة المحافظة على مكانتها في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن إستراتيجية القوة الناعمة التي تنتهجها إيران – باستفادتها من الروابط الشيعية في المناطق ذات الأغلبية العربية لاكتساب نفوذ من خلال مشاريع ثقافية ودينية وإعلامية واقتصادية – تبدّدت بما أن اسمها أصبح مرتبطاً علناً بالفساد، كما قال.وفي الوقت الراهن، لا تملك إيران الكثير من الأدوات أو الموارد – لا سيما في ظل سوء إدارة اقتصادها المتأزم – لذا يجب أنْ تتمكن الولايات المتحدة من منافستها بفعالية أكبر، وحتمًا، حان الوقت للتخلي عن أداة السياسة الخارجية المفضلة لدى إدارة ترامب والمتمثلة باستخدام العقوبات، وفي الوقت نفسه، لا تُعدّ العقوبات الأداة الأكثر فاعلية المتاحة أمام واشنطن ردًا على الاحتجاجات الداعية إلى وضع حدٍّ للفساد، قال روس.

وشدّدّ على أنّه يجب على واشنطن أنْ تُركِّز الآن على إدراك ما يمكن لواشنطن أنْ تقدمه للمنطقة وتمييز اسم الولايات المتحدة عن رؤية إيران العقيمة والمليئة بالعنف، ويتمثل أحد الخيارات في تقديم شراكاتٍ إستراتيجيّةٍ مع الشعبين اللبناني والعراقي من خلال خطوة تشريعية: شراكة محدّثة بين الولايات المتحدة والعراق ترسّخ الالتزامات التي تمّ التعهد بها أساسًا ضمن “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” في عام 2008 واتفاق جديد بين الولايات المتحدة ولبنان يرسم خارطة طريق لمشاركة ثنائية خارج نطاق تركيز واشنطن القديم على الجيش اللبنانيّ.

وبرأيه، يجب أنْ يكون عرض الكونغرس الأمريكي لبناء هذه الشراكات مشروطًا بترفّع القادة والحكومات في العراق ولبنان على حد سواء عن الدعم والتعهدات الخطابية واتخاذهم تدابير ملموسة تستجيب فعلاً لمطالب المحتجين، ويجب أنْ يشمل تشريع الكونغرس متطلبات إعداد تقارير علنية حول معايير الإصلاحات، فضلاً عن تقييم تطبيقها الفعلي.

ما الخبر السّار، قال روس، فهو أنّ واشنطن تمتلك فعليًا الخبرة الفنية والعلاقات الدولية، ولا سيما التعاون مع الحلفاء والمنظمات غير الحكومية الموثوقة من أجل المساعدة على مكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون وإعادة الخدمات وتقديم التدريب وتطوير البنية التحتية وتحفيز النمو الاقتصادي.

وبالإجمال، تقدّم الشراكة مع واشنطن إمكانية التبادلات العلمية والتعليمية والتجارية والتكنولوجية المجدية. وهذا ما يريده المحتجون، وهذا ما يمكن أن تقدّمه واشنطن بشكل مفيد، ولا تقدّم إيران شيئًا ممّا ذُكر، وبالتالي، أمام واشنطن الآن فرصة لتقديم ما لا تستطيع إيران توفيره، وهو: منح الأمل للشعبين العراقي واللبناني المتعطشين للتغيير الفعلي، واللذين لن يستكينا على الأرجح إلى أنْ يحصلا عليه، كما قال روس.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *