بقلم علاء الخطيب

حينما سئل أرسطو عن تعريف السياسة ، قال : هي فن إدارة المجتمع ، يعتقد الفيلسوفاليوناني  أرسطو   ان المهمة الرئيسية للحاكم هي رفاهية شعبه وسعادة مواطنيه .

وهي مهمة مقدسة ، هكذا كان ينظر السلطان قابوس بن سعيد الى طريقة الحكم فيعُمان .

ففي العام 1970  رجع السلطان قابوس الى وطنه بعد رحلة طويلة قضاها في الدراسةوالتعليم والخدمة في الجيش البريطاني ، وتزامن رجوع السلطان مع اضطرابات ظفارالشيوعية  المدعومة من الاتحاد السوفيتي و  الرئيس جمال عبد الناصر ، وكانت البلادقلقة ووالده السلطان سعيد بن تيمور مصِّر على معالجة حركة ظفار بالقوة وبالاستعانةبالسعودية وايران وبريطانيا ، كما انه كان يعارض اي تنمية في عمان .

كان ذلك مع بداية تصدير النفط والانتعاش الاقتصادي  في العام 1968 , كان الشابقابوس يتطلع الى دولة حديثة تواكب حركة العالم ، كما كان يعتقد ان معالجة ازمة ظفاريجب ان ينظر لها برؤية اخرى تستوعب الثوار.  كانت عمان معزولة عن العالم وتعانيمن البطالة والتخلف .

في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها عمان تنازل السلطان  سعيد بن تيمور  البوسعيدي عن  عرش السلطنة لولده قابوس الشاب المفعم بالحيوية والنشاط .

فقد قام السلطان الجديد  بخطوات مهمة  لترسيخ مكانة عمان في العالم ، اذا انشأ وزارةالخارجية  وأرسل الممثليات العمانية الى دول االعالم  ، كما قام بتحديث القوات المسلحةالعمانية وأنشأ المدارس والجامعات ومراكز الفنون وشجع الثقافة والمثقفين ،  وهو اول منعمل بالخطط الخمسية في الخليج ، اي خطط للتنمية مراحل  مدتها خمس سنوات وتبدأالمرحلة الاخرى ، مما جعل  لعمان وجه جديد ،  أخمدت  حركة ظفار وألقوا المنتفضينأسلحتهم والتحقوا بمسقط وبدأت عمليات التنمية في البلاد .

لقد بنى السلطان قابوس سياسته  الخارجية  على  حسن الجوار والعلاقة المتوازنة معالجميع و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ، مما منح عمان دوراً ريادياً فيما بعدفي حل النزاعات وتقريب وجهات النظر ،كما حصل في الاتفاق النووي الايرانيومجموعة 5+1 ، فقد لعبت عمان دوراً مهماً في الوصول الى اتفاق بين الطرفين . كما كانلعمان وساطة في  رأب الصدع الخليجي الخليجي ،كما رفضت ان تتدخل في المشكلةاليمنية ، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تشارك في الحرب على اليمن .

تمتاز سياسة السلطان قابوس الداخلية  على مفهوم المواطنة ، فالقانون العُماني يجرمالطائفية والمذهبية ، فالسؤال عن الدين او المذهب  ممنوع في عمان ويعرض صاحبهللمسائلة القانونية ، ويعتبر النموذج العُماني  نموذجاً ناجحاً في عبور إعصارالطائفية  التي مر وما زال  بقاياه تمر به المنطقة.

لقد حجز السلطان قابوس  مكانا في قلوب العمانيين والعرب ، فهو الحاكم الذي ينظر لهشعبه باحترام واجلال ، فقد نقل عمان من دولة بدائية الى دولة حديثة ، فكانت لهاخطوات مهمة على طريق الديمقراطية في البلاد ، فقد أسس السلطان عام 1981 المجلسالاستشاري  الذي تحول فيما بعد الى مجلس الشورى العُماني عام 1991، وهي يجمعممثلي الولايات  ينتخبون كل اربع سنوات ويحق  العمانيين رجالاً ونساءً  الترشيح  للمجلس .

وقد ارتفعت معدلات دخل الفرد في عمان إبان حكم السلطان قابوس الى 17 الف دولارسنوياً وهو مستوى معقول بالنظر الى المستوى المعيشي في السلطنة، لكنها تعتبر مناقل الدخول في دول الخليج .

بالمقابل فهناك التعليم المجاني والصحة المجانية ودعم السكن.

وأسس الجامعات  الحديثة التي بلغ عددها 9 جامعات وعشرات الكليات المتخصصةومراكز الدراسات ورعى  الثقافة و الفنون ولعل الفرقة السمفونية العمانية التي تأسستفي العام 1985 واحدة من اهم الفرق   في العالم العربي والشرق الأوسط، كما أسس  دارالأوبرا السلطانية و دار الفنون الموسيقية  ، وغيرها الكثير  من المشاريع

لقد انشأ السلطان قابوس دولة محترمة ،

لها مكانتها العالمية ، وحافظ على حياديتها وجنبها الكثير من المخاطر ، فقد كان الرجلحكيماً وذو نظرة بعيدة المدى.

رحل السلطان قابوس بن سعيد وترك عمان ترفل بالخير والعطاء ، ترك لشعبه ارثاً كبيراًودولة تحظى باحترام العالم ، وسيبقى التاريخ العماني يذكر السلطان قابوس كأهمالرجال الذين صنعوه وتركوا بصمات مؤثرة غيرت وجه عمان ومنحت شعبه العزةوالكرامة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *