كتب … علاء الخطيب

كتاب لايوجد في المكتبات ، ولا يجوز اقتنائه أو تداوله بشكل علني ، إلا أنه الاكثر انتشاراً في الدول العربية، وفِي المجتمعات المسلمة ، ساهم منعه بإقبال الناس عليه ، ربما يكون ذلك من باب الممنوع مرغوب أو من باب بعض أفكاره الواقعية التي يحملها .
أثار الكتاب الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض . بيعت اكثر من 3 مليون نسخة منه وترجم الى 31 لغة ومنها العربية. الكتاب هو لعالم الأحياء البريطاني الملحد ريتشارد داوكنز واسم الكتاب ( وهم الإله) يقع في عشرة فصول ، يناقش فيه وجود الله والعلاقة بين الدين والأخلاق .
لا اريد هنا ان استعرض الكتاب ، ولكن اتسائل . لماذا حضي هذا الكتاب بهذه الشهرة والانتشار وما الذي يجعل كتب الإلحاد تلقى رواجاً كبيراً في مجتمعاتنا ، وما الذي جعل الناس في الدول العربية تقبل عليه بهذا الحجم ؟ ولماذا يمنع من التداول؟
يعكس هذا الأمر دور التدين السلبي في المجتمعات وردة الفعل الكبيرة من رجال الدين المزيفين ، وكذلك التطبيق الصارم للعقيدة ، وهذا لا يخص بلد معين بل كثير من البلدان العربية ، ففي احصائية لحجم الإلحاد في الدول العربية نرى المجتمعات المحافظة والمتطرفة دينياً هي اقرب للإلحاد من المجتمعات الغير محافظة، وان المجتمعات التي يكثر فيها الوعَّاظ والوعظ الديني تكون عرضة لانتشار هذه الظاهرة ، والمدن المقدسة تحتوى العدد الأكبر من الملحدين ، هذا ما تقوله تقارير لمؤسسات بحثية عالمية ، وهذه ملاحظة ونقطة جديرة بالاهتمام والبحث .
فقد ذكر معهد غالوب لاستطلاعات الرأي ان نسبة الإلحاد في السعودية تتراوح بين 5-9 % من مجموع السكان، وفي مكة اكبر تجمع للملحدين ، كما ذكر معهد غلوبال السويسري ايضاً ان العراق ومصر يحتلان الصدارة في ظاهرةً الإلحاد، فقد اوردت جريدة الصباح الكويتية ان نسبة الالحاد ازدادت في مصر في ايام حكم الإخوان ، كما ذكرت مصادر خاصة ان مدينة النجف هي الحاضنة الأكبر للإلحاد في العراق .
واما المغرب فقد انجز الباحث المغربي مراد لمخنتر دراسة حول الإلحاد في المغرب، وجاء ضمن خُلاصاتها: “يُمكننا الجزم بأنّ تيار اللادينية يتمدد ويمس فئات جديدة، خصوصا فئة الشباب التي لها سِماتُ النقد وعدم الاقتناع بالإجابات أو الحلول التي يقدمها فقهاء الإسلام المعاصرون، وهذا تماماً ما قلناه في المقال من ان المؤسسة الدينية لا تقدم اجابات شافية لمشكلات واقعية .
وإيران الدولة الإسلامية التي تعتمد على الدين في أطروحتها السياسية ونظام حكمها لا تختلف في هذه الظاهرة عن أشقائها العرب .
يقول دكتور علم الاجتماع الإيراني سعيد مجتبي إن انتشار الإلحاد في إيران لم يعد سرًّا، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الملحدين، فإن الامر منتشر للغاية في أوساط الشباب لأسباب عديدة منها تحكم النظام بحياتهم الخاصة باسم الدين كنوع اللباس الذي يرتدونه وتسريحات الشعر ونوع الموسيقى التي يسمعونها وغير ذاك .
هذه الظاهرة الخطيرة للاسف لم يلتفت لها أحد بجدية ، ولم تتمكن المؤسسة الدينية التقليدية من الحد منها ، بل ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بانتشارها من خلال إطلاق العنان لانتشار الخرافة وعدم وجود ضوابط تحدد من هم رجال الدين الذين تفرزهم المؤسسة الدينية ، كما هو الحال للاطباء والمهندسين الذين تفرزهم الجامعات ، هناك رجال دين منفلتين، لا تتمكن المؤسسة الدينية من محاسبتهم على تصريحاتهم وأفعالهم ، كما ان هناك عوامل ساهمت بشكل فعال بتوسع دائرة الإلحاد ، وذلك من خلال عدم تقديم حلول عقلانية لمشكلات الشباب ، او عجز المؤسسة الدينية عن مسايرة الواقع المتسارع ، وبقيت تراوح في مساحة الحلال والحرام وممارسة فرض الدين القسري، وإجبار بعض المدن على سن قوانين بما يسمى (بالقدسية) ، كما حصل في النجف وكربلاء وكذلك ما حصل في السعودية ، فقد سُن قانون يعتبر الإلحاد إرهاباً ويعاقب عليه بالإعدام .
لكننا ومن باب الإنصاف والموضوعية نطرح الأسئلة التالي :
هل الالحاد الذي ينتشر هو ظاهرة مخيفة أم انه مفيد للتعددية وصدام طبيعي للأفكار ؟؟
وهل هو حقيقي ام انه تشكيك في الخطاب الديني يستدعي الإصلاح والتجديد؟
وهل هو قديم وظهر للعلن نتيجة ثورة التواصل الاجتماعي ام انه إفراز مرحلة وحتمية فكرية ؟
ربما تكون كل هذه الاسئلة مجتمعة ، لكن ما علينا فعله كمجتمع وكمؤسسات هو تشخيص الخلل الاجتماعي ووضع الحلول ، فمنع كتاب وقمع رأي واعتقال ناشط وإصدار قانون تعسفي لا يمكن ان يحل المشكلة ، اذا ما اعتبرنا هذه الظاهرة مشكلة تهدد مجتمعاتنا ، واذا اعتقدنا ان كتاب يحمل أفكاراً يهدد دين ومنظومة قيمية متكاملة بنيت من قرون وغير قادرة هذه المنظومة او عاجزة عن مقاومته كما حصل في الستينات حينما كتب محمد باقر الصدر اقتصادنا رداً على الأفكار الماركسية ، فعلينا التسليم فهذه سُنة الكون وأنه لا يدوم الا وجهه الكريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *