؟

ساهر عريبي
sailhms@yahoo.com

لم يكد ينقضي سوى شهر واحد منذ أن تعرضت الى التخريب أربعة سفن قبالة ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة, إلا واستيقظ العالم اليوم على وقع حادثة مماثلة عندما تعرضت ناقلتي نفط عملاقتين الى هجوم في خليج عمان أدى الى إصابتهما بأضرار فادحة بحسب آخر الأخبار التي تناقلتها العديد من وكالات الأنباء العالمية. تأتي هذه العمليات في ظل تصعيد غير مسبوق في المنطقة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وايران منذ إنسحاب إدارة الرئيس ترامب من الإتفاق النووي مع ايران وفرضها عقوبات إقتصادية غير مسبوقة على طهران, تهدف لتصفير الصادرات النفطية الإيرانية وأخيرا ارسال حاملة الطائرت العملاقة ابراهام لينكولن وقاذفة الصواريخ B 52 الى المنطقة.

ومع تصاعد لهجة التحدّي بين الطرفين تزايدت إحتمالات نشوب حرب ضارية لطالما قرعت طبولها عدد من دول المنطقة. إلا أن الحراك الدبلوماسي الذي قامت به بعض الدول كالعراق وعمان واليابان بالإضافة الى الإتحاد الأوروبي, خفّف من حدّة الأزمة وإن لم ينجح في وضع حلول لها لكنه أبعد شبح الحرب حتى حين. وظهر بشكل جلي وبعد حادثة الفجيرة ان الإدارة الأمريكية ليست بصدد شن حرب على ايران بالرغم من تلويحها بهذا الخيار كأداة لحمل ايران على الجلوس على مائدة المفاوضات مع واشنطن ووفقا لشروط الأخيرة. إذ لم تستغل إدارة ترامب الحادث كذريعة لشن الحرب واعتبرته غامضا بحاجة الى التحقيق . بينما اعتبره مسؤولون إيرانيون محاولة لجر واشنطن إلى الحرب عبر طرف ثالث واصفين إياه بالسيناريو ”الضحل والفاشل“.

وأما هوية الطرف الثالث فظلت مبهمة, لكن مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله بن يحيى المعلمي، سارع الى توجيه أصابع الإتهام الى ايران بادعائه أن ”هناك ما يكفي من الأدلة لإثبات أن الهجمات المُنسقة التي طالت أربع ناقلات نفط صباح يوم 12 مايو 2019 م قبالة ميناء الفجيرة تتسق مع نمط التصرف المعتاد من النظام الإيراني، في شأن رعاية الإرهاب والتخريب ونشر الفوضى في أماكن عديدة“. ثم أعقبه الملك سلمان بن عبدالعزيز باتهام ايران برعاية الأنشطة الإرهابية في المنطقة وتهديد الملاحة البحرية مشيرا الى حادثة الفجيرة , مطالبا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه ماو صفه بأنشطة إيران التخريبية. كان الهدف من توجيه هذه الإتهامات هو تحريض إدارة ترامب على شن الحرب على ايران لكن الإدارة لم تستجب! وسواء اكان هذا الطرف الثالث السعودية وحلفاؤها أم التنظيمات الإرهابية كداعش التي منيت بهزيمة نكراء في العراق وسوريا بفضل ايران والتي تسعى للإنتقام منها بعد أن لعبت طهران دورا مؤثرا في القضاء على دولتها الإسلامية المزعومة, فإنها محسوبة على المحور الأمريكي بحكم ان التنظيمات الإرهابية ترتبط عقائديا وماليا بالسعودية.

ثم جاءت حادثة اليوم في ظل أجواء الحراك الدبلوماسي الدولي لنزع فتيل الأزمة, لتثبت أن هناك طرفا يريد إشعال الحرب بأي ثمن كان. ومما لاشك فيه أن هذا الطرف هو السعودية وحلفاؤها الذين مانفكوا يقرعون طبول الحرب ومنذ سنوات بلا أدنى تمعّن في عواقبها الكارثية على المنطقة. فأعضاء هذا المحور يريدون التخلص من كابوس ايران الذي يؤرق مضاجعهم, وهم بصدد رسم خارطة جديدة للمنطقة يكون لإسرائيل فيها دور ريادي وفاعل وعلى حساب الدور الإيراني. ومما يعزز فرضية وقوفه خلف هذه التصعيد هو ان الطرف الآخر أي ايران ليس من مصلحته إشعال نار حرب لا تبقي ولا تذر, فطهران لم تلوح بخيار الحرب ولم تصعّد ولكن من صعّد هي الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة.

إلا أنه وبرغم كل ذلك يبقى إحتمال تورّط إيران في مثل هذه الأحداث وارد ولدوافع مختلفة. واولها أن ايران هدّدت بإغلاق مضيق هرمز في حال خنقها إقتصاديا عبر منعها من تصديرها نفطها وليس بالضرورة أن يكون الإغلاق مباشر ولكن سلسلة من امثال هذه الحوادث ترفع أسعار النفط والتأمين على الناقلات وبما يوجه ضربة موجعة للإقتصاد العالمي مما يوجب على المجتمع الدولي التدخل لرفع العقوبات عن ايران. ومما يعزز هذا الفرضية هو فشل الجهود الدبلوماسية لتخفيف الحصار. لكن هذا الإحتمال فيه مخاطر كبيرة! فالإدارة الأمريكية التي يسود فيها منطق القوة لن تسمح لإيران بكسر هيبتها والذي سيكلف دونالد ترامب كرسي الرئاسة, مما يعجل في إتخاذها قرار شن الحرب على ايران خاصة وان مستشاري ترامب وفي مقدمتهم جون بولتون يدفعون بهذا الإتجاه.

ولا شك بان ايران قد اخذت بالحسبان هذا التوقعات مما يضعف من إحتمال وقوف ايران وراء حرب الناقلات لأن ذلك يعني وببساطة اعطاء الذرائع التي تبحث عنها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة لتوجيه ضربة موجعة ايران. إلا أن تكون ايران قد اكملت استعدادتها للحرب وهي واثقة من قدراتها بالخروج منتصرة من أي مواجهة ستخوضها مع امريكا أو على الأقل أن لديها اوراقا رابحة لن تجعل الحرب الأمريكية مجرّد نزهة بل كارثة ستطال حلفاء أمريكا في المنطقة وتوجه ضربة للإقتصاد العالمي لن يستفيق منها الا بعد سنوات, وفي هذه الحالة فقط يمكن القول ان استهداف الناقلات تحدّ ايراني سيجبر إدارة ترامب على التفكير ألف مرّة قبل أن تكون للأسلحة التدميرية كلمة الفصل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *