كتب : ساهر عريبي
sailhms@yahoo.com
فتح رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور حيدر العبادي النار على سلفه وأمين عام حزبه نوري المالكي في الذكرى السنوية الخامسة لسقوط أم الربيعين بأيدي تنظيم داعش الإرهابي, الذي احال ربيعها خريفاً طويلا جثم على صدور أهلها أربع سنوات قبيل تحريرها, بفضل فتوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني وتضحيات القوات العراقية الباسلة بمختلف صنوفها وحسن إدارة العبادي لمعركة التحرير والبلاد.
فقد كتب العبادي على صفحته الشخصية في ”الفيسبوك“ واصفا يوم العاشر من حزيران ب“تاريخ دم واسترقاق وظلامية“ ومعتبرا إياه كذلك تاريخ إنهزام ”بفعل سوء الإدارة والفساد والفوضى“ على حد قوله, الذي طبع فترة حكم المالكي إذ جثم على كرسي رئاسة الوزراء لمدة ثمانية أعوام, ولم يغادره إلا بعد أن سلّم العراق للعبادي وثلثه محتل والآلاف من أبنائه منحورين بسيف الضلالة الداعشي , وعشرات الآلاف من نسائه سبايا, والخوف والرعب يسري في أرجائه كسريان النار في الهشيم, وبعد أن تبعثرت ألف مليار دولار في عهده كان منها 360 مليار دولار لا يعرف أحد أين سلكت طريقها بحسب تقرير اللجنة المالية في البرلمان.
سقطت الموصل الحدباء في العام الذي بلغت فيه موازنة العراق 147 مليار دولار حتى وصفت بالإنفجارية التي لم يكن لها نظير في تاريخ البلاد وحتى في زمن هارون الرشيد الذي كان يخاطب الغيمة قائلا: أين ماتمطرين سيأتيني خراجك. إذ وقف المالكي مطلا من قصره المحصن في المنطقة الخضراء مخاطبا أرض العراق : أين ما تخرجين نفطك فسيأتيني خراجك لأشتري به الضمائر والأقلام ومجرمي البعث والحماية والدعم الخارجي من اي كان ليكونوا عونا لي لولاية ثالثة ورابعة حتى أسلم الراية لوريثي من بعدي.
عشعش الفساد في عهده في كل زاوية من ربوع العراق فكان حائلا دون إعمار البلاد وحل أزماتها المستعصية وامام بناء جيش قوي فكانت الفوضى الإدارية تضرب أطنابها في أرض الرافدين, حتى عجز جيشه المليوني عن صد بضع مئات من الدواعش الذين تدحرجوا ككرة الثلج التي وصلت الى مشارف بغداد وكادت أن تكتسحها , لولا تلك الشيبة المباركة التي استجابت لندائها الجماهير المحرومة والغيورة مضحية بالغالي والنفيس من أجل تحرير الوطن وإستئصال ورم داعش السرطاني من المنطقة.
لكن المالكي لم يحمل نفسه اي مسؤولية في سقوط الموصل بالرغم من انه كان الحاكم المطلق للعراق فهو رئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة ووزيرا للدخلية وللدفاع! لم يسأله أحد أين الجيش والقوات الأمنية التي أنفقت عليها عشرات المليارات في عقود فاسدة لإستيراد الأسلحة, أو في قوات عسكرية فضائية لازال الآلاف منها فضائي حتى اليوم! ولو حصل هذا في أي بلد لدى قادته شيء من الكرامة لبادرت كامل حكومته ورئيسا الى الإستقالة! لكن ما حصل بعد ذلك لا يخطر ببال إنسان بل ليس له مثيل في التاريخ المعاصر الا في زمن المقبور صدام!
إذ لم يكتف المالكي بعدم المبادرة لتقديم الإستقالة ولكنه بذل المستحيل للإحتفاظ بمنصبه لولاية ثالثة! في مسعى يكشف عن مدى استخفافه بالعراق وبشعبه وبدماء آلاف الشهداء وخاصة شهداء سبايكر ولا بآلاف النساء المغتصبات! وبمدى حبه لكرسي الحكم الزائل. وفي ذلك تكرار لما كان عليه صدام حسين الذي لم يبادر بعد هزيمته الكبيرة في الكويت الى التنحي حفظا لماء وجهه ولكنه ظل متشبثا بذلك الكرسي, وكذلك فعل المالكي الذي لم يتأسى حتى بجمال عبدالناصر الذي قدم استقالته بعد نكسة حزيران, حتى أقصته تلك الشيبة المباركة التي بادرت لإنقاذ العراق.
وأما حجته الواهية في كل ذلك فهو إداعئه أنه تعرض لمؤامرة كونية! وكأنه ”لي كوان يو“ باني نهضة سنغافورة الحديثة! أو مهاتير محمد الذي نهض باقتصاد ماليزيا, حتى خشيت الدول الشريرة من تكرار هذه الظاهرة على يد المالكي فبادروا لإجهاضها في مهدها! وخاصة بعد ان احاط المالكي نفسه بجيش من المستشارين من أصحاب الشهادات المزوّرة وبعد أن أبعد الكفاءات العراقية امثال سنان الشبيبي والمرحوم الجلبي ومظهر صالح والعشرات من امثالهم وأستعاض عنهم ببهائم لاتفرق بين الناقة والجمل بل تقرأ الديك حمار أو صخل! أو لأن العالم خشي القدرة العسكرية التي بناها بعقود السلاح الفاسدة من أن تنتج صواريخا تحمل رؤوسا ”خرائية“ تزكم رائحة إنفجارها الأنوف لشدة فسادها.
لقد وضع العبادي بهذه الكلمات النقاط على الحروف وألقم كل من برّأ المالكي من هذه المأساة حجرا, من سياسيين وحزبيين وأقلام مأجورة لا تجيد سوى التطبيل ولا ضير إن كان لحزب البعث او للدعوة أو للكاولية او لخناجر الإرهاب الداعشي, فالمهم الدراهم التي يرميها لهم من ثروات العراق المنهوبة التي تكدّست في خزائن الدعاة الى الفساد والجهل والتخلف من المتسترين خلف قناع الدعوة الى الله والله والدعوة منهم براء. ولكن هل تكفي هذه الكلمات لإسدال الستار على واحدة من اكبر الكوارث التي شهدها تاريخ العراق الحديث؟ ام لابد من محاسبة جميع الفاشلين والمقصّرين والفاسدين الذي شاركوا في هذه الجريمة الكبرى؟ المنطق والأخلاق والقانون يقول نعم! ولكن مافائدة ذلك في بلاد تصدرت دول العالم في الفساد والفوضى وغياب القانون حتى اصبح المجرمون والفاشلون والفاسدون قادتها فمن سيحاسب من؟