كتب رياض الفرطوسي
لم تدع درجات الحرارة شيئا لم تحرقه في العراق ‘ الحقول والقلوب والمشاعر والاسواق . تترك الحرارة ايضا بصمتها على الواقع السياسي ‘ خاصة اذا عرفنا ان ثمة جدلية بين البيئة والسلوك الانساني . تحاول الحرارة ان ترسم لوحة سريالية متعددة الاوجه على الشارع ‘ بطريقة حادة وقلقة ‘ وكل الذين يكتبون عن الحرارة والحرائق ‘ لا يدركون ان رؤوسنا تعج بالحرائق والدخان ‘ حتى تحولت سلوكياتنا الى سلوكيات نارية من القسوة والعناد . عندما انتشرت قصيدة زهير الدجيلي بين الناس ‘ (يا طيور الطايرة مرّي ابهلي .. يا شمسنا الدايرة ضوّي لهلي سلمّيلي وغنيّ بحجاياتنا .. سلمّيلي ومري بولاياتنا ) ‘ انتشرت هذه القصيدة كالنار في الهشيم في منتصف السبعينيات ‘ وتعلق الناس بها ‘ لكن من يتجرأ الان على ان يرددها ‘ تحت درجة حرارة فوق الخمسين ‘ الشمس في العراق تدور على رؤوس تحلم ‘ بوطن سعيد ‘ وطن لا يركض فيه الناس وراء ‘ الماء الصالح للشرب أو وراء توفير الخدمات ‘ أو توفير الكهرباء من مصادرها الطبيعية مثل الشمس ‘ والريح لتوليد الطاقة الكهربائية . أو أستنشاق هواء صالح للتنفس ‘ أو سيارة بلا اعطال يومية ‘ معارك العراقي ليست مع الشمس أو اليأس فقط بل مع محاولة اعادته الى مرحلة الظلام والكهوف والبدائية الاولى . وقطع أي صلة له بالمدنية والحضارة والتطور والبناء ‘ ورغم ان العراقي مشغول ومنهك ويبحث عن انقاذ نفسه وتوفير وضع يليق بصحته وطعامه وامنه . ( ممكن جدا أن يكون العراق سلة خبز العالم ‘ فهو فرن متوهج وكل العالم يأتون بعجينهم ليخبزوا فوق شوارعنا ) مالذي بقى لم يستفز العراقي ‘ الفساد والحرارة والحرائق والخراب والحزن ‘ والقهر والفقر لكن البيئة النفسية للعراقي أثبتت عنادها ومقاومتها لكل التحديات . الوطن حار والشعب عنيد والحياة فيها رمق من الامل السعيد . قدر العراقي أن يبقى منيعاً امام العواصف ‘ وان يتسلح بالصبر والتحدي ‘ ورغم كل الرهانات الخاسرة ‘ التي ستمضي مع الزمن ‘ ألا أن العراق وجد كي يبقى خالداً ‘ ارضاً وشعباً وتاريخاً