بارزان الشيخ عثمان
خلال السنوات السبع الماضية ، كتبت مقالات كثيرة في احياءً مآثر و مواقف الرئيس مامجلال العظيم الوطنية .و هذه السنة اود ان أشير الى بعض المحطات المهمة في فترات مختلفة لهذا القائد العظيم ،و بكل التأكيد لا نجد يوماً من أيام نضال هذا القائد العظيم دون ان يسجل موقفاً وطنياً شاهقاً و شامخاً من اجل تحقيق آمال الشعب العراقي و الاستقرار في المنطقة.
ليس خفياً عن كل مطلع ٍ على افكار و نظريات و مباديء الرئيس مامجلال من خلال نضاله الطويل بدءاً من أربعينيات القرن الماضي حتى رحيله الأبدي ،على ان فخامته أستثمر ثروته العظيمة من الحكمة و الحنكة السياسية و الدبلوماسية ، من اجل ان ينعم شعبه بكافة حقوقه المشروعة كسائر شعوب الحرة و المكونات الأخرى في العراق ، من خلال إقامة النظام الديمقراطي الاتحادي و التعددية ،و كذلك أستثمر هذا الخصال من اجل الاستقرار العراقي و الإقليمي، لذلك نرى و نشهد بعد رحيل مامجلال السياسي ، المناضل ، البيشمرگة ،المحامي ، الصحافي ،الكاتب ،المفكر و القائد و الرئيس ، تغير المشهد في العراق و المنطقة ايضاً.
إستمد الرئيس مامجلال كل هذه الحنكة و الحكمة من خلال عمقه في النضال و التجارب النضالية و تمكن ان يظهر مبكرا كشخصيّة سياسية صادقة و رصينة و الإعتماد عليه في إتخاذ قرارات صائبة في أوقات عصيبة و محرجة .
نعم كان مامجلال يناضل في جبال كردستان و يقارع الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة في عهد النضال المسلح ، لكن هذا لم يمنعه ان يؤسس علاقات قوية و الصداقة مع زعماء الأحزاب و الروؤساء في العالم العربي و الإسلامي و الدولي ، حيث كان شاباً و طالباً جامعياً في العشرينيات من عمره ، شارك في مؤتمر و مهرجان الشبيبة العالمية في وارسو في عام ١٩٥٥ ، و اجتمع مع عدد كبير من الساسة المشاركين،و تمكن أن تحشد دعماً قوياً للقضية الكردية و ضرورة إقامة الديمقراطية في العراق والمنطقة ايضاً.
لولا إصرار الرئيس مامجلال لإنتهاء بالصراع أو الاقتتال الداخلي في كردستان العراق في فترتين مختلفتين (الثمانينيات و التسعينيات) ، ما كنا نشهد إنتفاضة آذار ١٩٩١ لجماهير كردستان العراق و البرلمان و حكومة اقليم و ما كنا نشهد التقدم الهائل في اقليم كردستان و الموقع و الدور الكبير للكرد في مفاصل الحكم في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي .
في الأيام السوداء للتناحر و الاقتتال بعد سقوط نظام صدام ، حصل الرئيس مامجلال على تقرير يفيد ان هناك جماعة مسلحة تريد ان تقتحم منزل الدكتور عدنان الدليمي و تطلق النار و قتل الجميع في منزل المذكور . سارع فخامته بإخبار عدنان الدليمي و ارسال قوة من اللواء الرئاسي لحماية الدليمي و منزله . و في يوم التالي جاء الدكتور الى منزل الرئيس و قال ” فخامة الرئيس أنا و عائلتي و السنة جميعاً مدينون لك ، و ………. ” و عندما سمع الرئيس الجملة الأخيرة غضب و قال ماذا تقول يا دكتور نحن اخوة و أصدقاء ثم أنا رئيس الجمهورية .
و في مؤتمر نيويورك 29 /تشرين الأول لغاية 04/ تشرين الثاني من عام ١٩٩٩ للمؤتمر الوطني العراقي (INC), ألقى سيادته خطابا قيماً عرض فيه الخطوط العريضة للعمل النضالي الجماعي للمعارضة العراقية و الإستعدادات اللازمة لتولي مقاليد الحكم ما بعد النظام البعثي
.و كان الخطاب بمثابة بشرى سقوط نظام القبور الجماعية، عن قريب . و سلط الهدوء التام على قاعة المؤتمر حيث كنا لا نسمع أي صوتٍ آخر بإستثناء الصوت الجهوري و الهادر للرئيس مامجلال و تصفيقات الحادة للمقاطع المؤثرة من الخطاب من قبل الحضور . و عندما جاء دور كلمة (ثورة الأهوار) ، ألقى ممثل الثوار (الذي خرج من العراق عن طريق و بمساعدة التنظيمات السرية للإتحاد الوطني الكردستاني داخل المناطق التي كان تسيطر عليها النظام ) كلمة قصيرة جداً حيث قال فيها ” ليس لدي أي شيء اطرحه هنا غير تكرار ما قاله الأستاذ مامجلال لأنه وضع لنا خارطة طريق للحاضر و المستقبل و هو أدرى منا جميعاً عن الأوضاع “.
و في المؤتمر نفسه كان هناك مناقشة مطولة حول وضع مصطلح (المؤتمر الوطني العراقي يقر صيغة الفدرالية للعلاقة التي أعلنه برلمان اقليم كردستان العراق ) في البيان الختامي بدلاً من مصطلح (يحترم المؤتمر الوطني العراقي الموحد الصيغة الفدرالية)الذي كان قد صوت عليه المؤمر في عام ١٩٩٢ . حتى كان المندوب الأمريكي ريتشارد دوني لدى المؤتمر الوطني كان متحفظا ،أما بعد مجيء مامجلال الى قاعة الاجتماع و شرحه لأهمية إقرار المؤتمر بهذه الصيغة ،نال الفقرة المذكورة الموافقة بالإجماع في البيان الختامي .
حقاً كان الرئيس طالباني صمام الأمان كما وصفه آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله) لأنه السياسي الوحيد الذي استطاع ان يجمع الأطراف العراقية على طاولة المفاوضات بالأخص في الأوقات المحرجة التي تصل الأطراف الى طريق المسدود ،
كان الرئيس الراحل له دور الكبير في إقناع الساسة في تركيا بضرورة ايجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في بلدهم ، و ذلك انطلاقاً من حرصه لنيل أكراد تركيا بحقوقهم المشروعة و لاستقرار في تركيا حيث تنعكس على المنطقة ايضاً.
و كان الرئيس مامجلال له قراءة صائبة لمجريات الأحداث خلال الاضطرابات ما سميت بالربيع العربي .و أبدى وجهة نظره علانيةً في لقاءاته المختلفة و في شهر نوفمبر من عام ٢٠١٢ عندما ساله احد الدبلوماسيون عن الوضع السوري خلال هذه الاضطرابات قال له بكل الصراحة يأتي وقتاً بان تتفاوضون مع الحكومة الحالية من اجل ايجاد الحل المناسب ، لان هناك عدة العوامل تؤدي إلى إبقاء النظام الحالي .
و أخيراً و ليس أخراً اذكر احدى خصال الرئيس مامجلال العظيم في محطات نضاله حتى عندما كان على رأس السلطة في العراق و هي إيمانه الراسخ بالتسامح و عدم تفكير بالانتقام و دوماً يؤكد ،خلال لقاءاته ” لو أننا نفكر بالانتقام مع الفئات و الجماعات التي لها ضلع بالمظالم و الإجحافات التي ارتكبت بحقنا ، فان سفك الدماء لن يتوقف مطلقاً،لذلك لم يوقع على الحكم الذي صدر بحق صدام حسين إحتراماً لتوقيعه على منع الحكم الإعدام في العالم في السابق، و كان يرى ايضاً يفسر ذلك بالانتقامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *