د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
جرت العادة أنه عند السفر يفارق النوم جفوني و يعاديني الفراش كأني عدواً لدوداً أمامه ، تتحول غرفةالفندق الى ساحة معركة، أنتصر تارة و أهُزم تارة آخرى، أخرج الى الممر الذي يمثل لي الساحة الخلفيةلجبهة القتال لأستعيد أنفاسي و مناقشة خططي ، لأدخل مرة آخرى الجبهة الأمامية للقتال بخططجديدة لأتعامل مع الأرق ، أعطي النوم كل أسلحتي مستسلماً راكعاً على ركبتي محني قامتي ، ثم أرفعرأسي ناظرا بمكر، مفكّراً كيف سأقضي على أرقي ، و بسلاسة انهض متوجها نحو أحد الكتب التي أجلبهامعي في سفري أو التي حملتّها على جهازي المحمول لأقضي الليل كله في القراءة ، جاء أمام أنظاري كتاب مستقبل العقل لميتشو كاكاو .
هذا الكتاب كُتب في عام 2014 من قبل العالم ميتشو كاكو، قد نعتقد انه كتاب في الخيال العلمي، لكنكل ما جاء في هذا الكتاب واقعي و يحدث الآن في مختبرات العالم، يشبّه ميتشو الدماغ الذي يحوي مئةمليار خلية عصبية على الأقل و كأنها ألة مذهلة قادرة على الاحساس، فيها ذاكرة قصيرة و طويلة الأمد،قدرات مذهلة للتفكير و الأستنتاج و توقع و محاكاة المستقبل.
ميتشو يعتبر الدماغ شركة أو مؤسسة كبيرة معظم المعلومات فيها في اللاوعي، و المدير العام لهذهالمؤسسة غير مدرك لكل شيء يحصل في الشركة، و الأحاسيس هي قرارات تحدث بشكل سريع و بصورةمستقله ، لكن على مستوى أدنى، تُطالب المدير التنفيذي و بشكل مستمر أن ينتبه، و لكن يتم اتخاذالقرارات النهاية من قبل المدير التنفيذي في مركة القيادة في قشرة الدماغ الأمامية و التي هي(prefrontal cortex )، يقول ميتشو في المقدمة انه الذي يريد ان يفهم لغز العقل ما عليه الا ان يتطلعفي المرآة و يشوف ماذا يقبع وراء هذه العيون حيث تجلس القشرة الأمامية،الذي تدفعك على أن تتسآلعن إشياء دائما تقلقك: مثل هل نمتلك روح؟
ماذا سيحل بنا بعد الموت؟ من أنا؟ و الى أين أنتمي في هذا المخطط الكوني العظيم ؟، مثل ما قالعالم الأحياء توماس هكسلي، السؤال الأهم للأنسانية من بين كل الأسئلة و المشكلة الأعظم التي تقعخلف كل المشاكل هي تحديد مكان الأنسان في الطبيعة و علاقته مع الكون.
قد أهتم ميتشو طيلة حياته بالعقل و الدماغ و الآلات الحديثة لتصويره و اليوم مع التصوير بأستخدامالرنين المغناطيسي المتطور، تمكن العلماء من قراءة الأفكار التي تدور في أذهاننا و كذلك زراعة قطعةصغيرةفي داخل دماغ المريض المصاب بشلل كامل و ربطها بكمبيوتر ليستطيع ان يشاهد الأنترنيت ويستطيع أن يقرأ و يكتب رسائل الكترونية و يتحكم بالكرسي المتحرك و الذراع الميكانيكية و أدارةالمنزل و عمل اعمال ثانية حاله حال الأنسان الطبيعي لكن بأستعمال الكمبيوتر.
الجديد ان العلماء الآن يفكروا بأبعد من هذا عن طريق ربط الدماغ بهيكل خارجي و التحكم فيه، هذاالشيء يمكّن المريض المصاب بشلل كامل بأن يتحرك و يعيش حياة طبيعية، يتكلم الكتاب أيضاً عنالاحتمالية القوية في المستقبل على تحميل ذكرياتنا و خبراتنا على كمبيوتر مثل فيلم matrix و هيفقط مسألة وقت و بعدها راح نتمكن على تنزيل ذكريات و خبرات و افكار خارجية و هوايات ما خضناهااصلاً، أذ من الممكن ان يسافر الانسان و يلتقي بناس جدد و يخوض تجارب كلها بذاكرة صناعية، اليوماستطاعوا تسجيل ذاكرة دماغ فئران و تنزيلها و تحميلها و من ثم اعادتها لتحميلها على الفئران، يعنيسنوات قليلة و عمل نفس الشيء على البشر و طبعاً هذه لا تخلو من فوائد كثيرة مثل الصدماتالعاطفية و النفسية التي تحصل بعد الحوادث الأليمة، راح يكون بالأمكان تحميل ذاكرتك و محي ما شئتمنها و اعادة تنزيلها على الدماغ، هذا النوع من التطور سيفتح آفاق كبيرة في علاج مرض الزهايمر ، اذيمكن تحميل ذكريات حتى لو كان جزء منها غير حقيقي لكن أكيد تساعد المريض على التحسن، اكثر منهذا انه من الممكن ان نَتَشارك بالذكريات من خلال أنشاء شبكة للعقل تسمح حتى لمشاركة المشاعر والذكريات بين الناس بأرسالها ألكترونيا، يعني تخيّل معي كيف احفادنا سيضحكون علينا كيف كنا نبعثصور و صوت و نصوص عبر هواتفنا المحمولة من خلال النت لكن بدون مشاعر حسية ، هذا لم يعدخيال علمي بل مسألة وقت فقط، هذه الأفكار المثيرة شدّت أنتباه السياسين و اصبح علم العقل مصدرتنافس بين اكبر قوتين اقتصاديتين لذلك تم تمويل مشروعين يختصوا بالهندسة العكسية للدماغ منقبل امريكا و الاتحاد الاوربي و ذلك لأكتشاف سر الدماغ و مساراته و كذلك فهم منشأ الامراض العقليةو أمكانية عمل نسخة من الدماغ، طبعا هذا ايضا يقود الجميع الى السؤال حول تغيير مفهوم الخلود ،هل ستهرم الأجساد و تموت و يبقى الوعي للأبد؟
الشيء الذي إثار أهتمامي هو عندما شرح انه أذا نزعت الجمجمة و كشفت الدماغ و لمست الجزء الأيمنمن الدماغ فأن الجزء الإيسر من الجسم يتحرك لحاله و العكس بالعكس و انه اذا قطعت الوصلة بينشقي الدماغ ، شيء غريب سيحصل ، شخصيتين مختلفتين تظهر لنا، مثلاً كل جهه من الدماغ تحاولالسيطرة على يدك و يصير صراع بينهما، في حالة من الحالات كان هناك شخص ، شَق من دماغه كانملحد و شَق كان مؤمن، هذه حاله غريبة لكنها حقيقية.
أجهزة الكمبيوتر اصبحت قادرة على تسجيل الإشارات الكهربائية للدماغ و فك هذه الاشارات الى لغةرقمية مفهومة، يعني صار في مجال للعقل ان يتفاعل مباشرة مع الكمبيوتر و يتحكم بإي شيء موجودحوله و هذا اسمه brain computer interface .
يتكلم الكتاب أيضا حول هذه التقنية و التي جعلت افكار غريبة ، بحياتنا لم نفكر أبداً انها ستصبححقيقية ،مثلاً تسجيل الذكريات و قراءة الأفكار و تصوير الأحلام، حتى هذه اصبحت ممكنه، يعني تخيل انهفي يوم من الايام يصبح بأمكاننا ان نضع منشور على الفيسبوك لفيديو حلم حلمته يوم أمس.
ايضا يناقش هذا الكتاب انواع الوعي البديلة مثل الاحلام و الوعي عند المرضى العقليين، كذلك الوعيعند الروبوتات و الكائنات الفضائية و عن امكانية التحكم بالعقل و علاج امراض مثل الزاهيمر و الشللالارتعاشي و الأكتآب و غيرها ،و ايضا هناك جزء مهم في الكتاب حول الذي لديهم قدرات عقلية خارقة وما هو التفسير العلمي لهم، مثل الشخص الذي رسم مدينة مانهاتن فقط من خلال طلعة وحدة فيالهليوكوبتر، اذ استطاع ان يخزن كل المشهد في ذاكرته و اعاد رسمها و عمل نفس الشيء في هونغ كونغو لندن و مدن آخرى، يتكلم الكتاب ايضا عن طفلين اصيبوا في حادث و اصيبوا بنفس المنطقة فيالدماغ و تحديداً في الفص الصدغي و بعد ذلك اصبحوا عباقرة في الرياضيات، مثل هولاء الناس لديهمقدرات قوية في التذكّر، يمكن ان يتذكر شيء من 30 سنه بالساعة و الدقيقة، و ماذا كان يعمل في وقتها،قد يقول كنت اقرأ الكتاب الفلاني و كنت في الصفحة 379 و يمكن اقرء لك ماذا كان مذكورا، و فيحالات قادرة عل حفظ 15 الف كتاب و اعادة تذكرها سطر سطر، في نظرية علمية تقول انه كان هناكاعتقاد ان النسيان عملية طبيعية، تتعلم شيء بعد ذلك الذاكرة تبدء تنزل بالتدريج، لكن هذا الاعتقاد من الممكن ان يكون خاطئاً، في حالة هولاء الناس انهم نسوا كيف ينسوا، أي عملية النسيان معطلةلديهم ،
كتاب جميل جدا لكل من يحب أن يفهم آلية عمل الدماغ و مستقبل الدماغ.