كتب : علي خان
يتفق الكثير من علماء الآثار على أن التعذيب الجسدي كعمل عدواني منهجي ظد الافراد و المجموعات كان قد انتهج من قبل الاشوريين.
و منذ ذلك الوقت استعمل التعذيب الجسدي و النفسي بطرق وحشية مختلفة لا حصر لها. و اهم تلك الاساليب و اخطرها هي الترهيب، فلربما عذب احدهم عذابا لم يكن له مخرج منه إلا هلاك ذلك الشخص مع الكثير من الوجع، لكن من رأى و سمع بذلك الشخص اصيب بالخوف و اتبع الأوامر خوفا من سوط الجلاد.
و لا يمكن لأحد أن يستهين بذلك الخوف، يكفي فقط ان نسترجع التاريخ الدموي البعثي لكي نصاب بالاشمئزاز و القلق و لذلك وطئة كبيرة على النفس شأنا ذلك ام أبينا.
و لقد خدعنا من قبل سياسيين الصدفة، الذين استحوذوا على مفاتيح سلطة العراق بذريعة “نحن احسن من البعثيين”، و لم يكن احد يستطيع ان يجابه مثل هكذا طرح.
على كل حال، نظام الترهيب استعمل بغزارة في عهد البعثيين و باقي الدول العربية المتخلفة و حتى يومنا هذا، فالحاكم المتخلف يظن بأن حصر الشعب عن طريق الترهيب يعطيه مفاتيح الحكم.
نعم إن القمع يخلق سلطة لا متناهية للحاكم و لكنها سلطة غير مستدامة، حيث انها تقوم على عدم ثبات النظام و ايضا على كمية هائلة من المظالم، ناهيك عن الموارد الضخمة التي يجب على الحاكم صرفها على اجهزة امنية فتاكة و مسعورة لكي تنهش من لحم الشعب.
و لما كنا نحن العراقيون شعب مبدع و فطن، فإن الطبقة الحاكمة (المتكونة من افراد عراقيين مبدعين) ابتدعت و طورت طريقة حكم جديدة، تستعمل التعذيب و الترهيب و الملاحقة، لتضيف عليها سبل الاخفاء القصري و تسكيت الأفواه و الاهمال المتعمد لحاجات الشعب. و لكن اهم من كل ذاك ابتداع فكرة “الفقاعة”، و يا ريت لو كانوا مبدعين في بناء الوطن بدل تخريبه.
ففكرة الفقاعة تقوم على انتهاج التعذيب و الترهيب و التصفية الجسدية في ثلة بسيطة من المواقف التي تستدعي التدخل المباشر، اما في الغالب الاعظم من الحالات فإن الطبقة الحاكمة ببساطة تهمل (تطنش) ما يحصل للشعب!
فكل ما يحتاجه الحاكم ان يفعله هو وضع الشعب في دوامة مستمرة من الضياع في كل اصعدة الحياة، لا بنية تحتية و لا مجال عمل او استثمار و لا تطور فكري و فني و لا حتى امل في تطور حقيقي.
و من لم يعجبه الأمر فلا احد. يمنعه من التظاهر و الاحتجاج، فالعراق ما بعد صدام هو عراق ديموقراطي، اليس كذالك؟
لكن ذلك المواطن اليائس الذي يخرج الى ساحات التظاهر لا يعطى له ذرة من الأهتمام، ففي نهاية المطاف هو اعزل بينما مصادر العنف مملوكة للطبقة الحاكمة و اذرعها القذرة الطويلة.
يعني ببساطة المواطن العراقي هو فقاعة، ينفخ فيه من المئاسي حتي يضيق به الحال، ليخرج و يصيح و لكن من دون أن يلبى ندائه و من ثمة تختفي الفقاعة بلمح البصر من دون ان تغير بالواقع البتة. و هذا ينطبق على الشعب كله، فقاعات تكبر و تختفي من دون ان يتغير شيء!
و تمضي الايام و السنين، و العالم و البشرية تعيش و تزدهر، بينما نبقى نحن في نفس المسرحية البائسة التي تدور احداثها حول الجلاد و الضحية.
انا لا اكتب لكي اصف الحال، لأن الاقلام نشفت من الكتابة بهذا الصدد، بل ما اسعى اليه هو تغير الوضع عن طريق الكلمة.
فأنا لا أرى جدوى من التظاهر و الاستنكار، لأن صوتنا كشعب غير مطاع، و لا إني اتخيل صحوة ضمير سياسيين الصدفة، و لا حتى ادعوا اخي المواطن للتصعيد العدواني.
ما أدعو اليه هو غرس بذور النهضة في انفسنا نحن الأفراد. فالحياة التي نحلم بها ليست مجرد حياة مرفهة بل هي ايضا حياة مزدهرة و كريمة. و لكي نصنع تلك الحياة، علينا نحن الافراد ان نسعى لذلك عن طريق الإيمان بالنهضة، نشر فكرة النهضة، التخطيط لتلك النهضة و السعي على أرض الواقع لتفعيل هذه النهضة.
و حتى لا اكون سفسطائي خاوي، فلنبدأ بخطوة صغيرة لكن مهمة جدا، فلنحترم كلمتنا!
ليكن لديك كلمة واحدة، لا تعهد بشيء لا تملكه و اوفي ما وعدت به بأي ثمن. لأن المجتمع القوي يقوم على الثقة بين افراده و لذا فإن احترام الكلمة يعتبر الركيزة الأساسية لبناء مجتمع قوي و متماسك.
إن الفوضى الذي يعيشها العراق لها أسباب كثيرة و جناة أكثر، فكل فرد لا يثق بأخيه المواطن لا بكلامه و لا بجودة انتاجه، فكيف لنا أن نبني مجتمعنا إن كنا مفتتين على المستوى الفردي؟
نحن بلد الفقاعات لأننا ببساطة ليس لدينا كلمة صلبة.