وسام رشيد
أقرّ مجلس النواب العراقي في جلسته المنعقدة مساء يوم الخميس الماضي 2021/3/18 تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بعد سنوات طويلة من المجادلات والتسويف والمناكفة بين مختلف الفرقاء السياسيين، وممثلي الكيانات التي تبحث عن خارطة طريق تضمن بقاء نفوذها وسلطتها على الاتجاهات السياسية والاقتصادية والشعبية لاكثر من عقد من الزمان، اذ كانت تحاول تكييف جميع التفسيرات القانونية لصالح تثبيت اركان مراكزهم وتعظيم قوتهم، بدوافع الحرص والنظرة الحكيمة لمستقبل الوطن الذي تفلح تلك القوى في بنائه وعلى كافة المستويات الاقتصادية والعمرانية او حتى على صعيد النظم التربوية والاخلاقية وابراز القيم الايجابية في المجتمع من خلال التوظيف المثالي للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بل ساهمت في تجريف وطمس اغلب ملامح ومقومات الدولة.
تعديل القانون الجديد سدّ ثغرات كبيرة ستكون عقبة في طريق اجراء الانتخابات المزمع اجراءها في نهاية العام الحالي، وهي من اهم متطلبات الاقتراع العام الذي يعد مطلب مهم من عامة الشعب العراقي الذي يرغب في اجراء التغيير انقاذاً للوضع العام من الانهيار، فقد وصلت القوى المعارضة للاداء الحكومي والسياسي بشكله العام الى قناعة مشتركة مع كثير من القوى الاحتجاجية في الساحات سواء في بغداد والناصرية والنجف وغيرها من المحافظات بان تغيير مسارات اللعبة السياسية ستكون من داخل العملية ذاتها، اي من خلال الانتخابات، فقد تشكلت قوى واحزاب وتيارات لم تكن تثق مطلقاً بنتائج العملية الانتخابية، ودخولها معترك المنافسة مع الاحزاب والكتل الحاكمة يعد تحولاً جوهرياً في النهج السياسي، والذي يتوافق ايضاً مع فهم جمعي يتبلور بشكل تدريجي ومتصاعد بضرورة دخول التجربة من الداخل، فالعملية السياسية ليست حكراً على الطبقة الحاكمة وضرورة ايجاد مخرج آمن للوضع الخانق الذي يمر به العراق الان.
والحقيقة ان رئيس مجلس النواب والكثير من اعضاء المجلس كانوا متحمسين لاتمام هذا الملف بمسار دستوري اخروهو تشريع قانون المحكمة الاتحادية وفقا للدستور، ولكن تحقيق اغلبية الثلثين التي لم تتحقق، لكن الحلبوسي لجأ الى خيّار آخر وهو التعديل للامر التشريعي ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ لانه يحتاج الى اغلبية بسيطة كخيار بديل عن عدم اجراء الانتخابات، ويعطي مصداقية للبرلمان في تنفيذ شرط يعتبر مستلزماً اساسياً لاجراء الانتخابات المقبلة، وبرز ذلك من خلال سلسلة الاجتماعات التي عقدت منذ شهور والتصريحات التي اكدوا من خلالها على ضرورة اقرار التعديل الضامن الذي لا يمكن بغيابه اجراء الانتخابات، وبالتالي مزيداً من المشكلات في طريق اعادة تشكيل العملية السياسية وفق معطيات جديدة، ودخول لابين جدد سيسهم في حسر مراكز القوى التي تشكلت عبر سنين، وسيقوض بناء التكتلات الاقتصادية والعسكرية على حساب الدولة ومؤسساتها، وينعش فكرة بناء الدولة المعطلة منذ سنوات بسبب التحايل على القانون مرة، او خداع المواطن مرة اخرى، او القفز على معاناة الشعب وتطلاعاته بحياة تتوفر فيها ابسط الحقوق الممنوحة من موارد بشرية ومادية مغيبة بفعل التخبط السياسي الواضح، والابتعاد عن تنفيذ تطلعات الشعب وتحقيق رغباته.
اوفىٰ مجلس النواب بالحد المقبول تمهيداً لاجراء التغيير المرتقب، فقد حان الوقت لتعبئة الشارع بضرورة المشاركة الفاعلة واحداث تغيير جذري ورفع نسبة التصويت، وكسر العزوف الذي حدث عام 2018 والذي نتج عنه معضلات كبيرة على المستوى السياسي.
بناء الدولة لا ينفصل عن تهيئة اجواء انتخابية قانونية وشرعية يراعى فيها كسب ثقة المواطن عبر الاليات المتعبة واهمها ضمان مصادقة القضاء العراقي الذي من المؤمل ان يشرع بتنفيذ قانون التعديل بداية هذا الاسبوع والتوجه لمساحات عمل اخرى تستلزم نجاح العملية الانتخابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *