وسام رشيد
لا تُخفى مواقف محافظة الأنبار من العملية السياسية منذ البداية، فكانت تشكل مركزاً لمحور معارض بل وضارب لكل عوامل نجاح تلك العملية التي أتت على أنقاص نظام لم يكن للبيئة الإجتماعية والسياسية في الأنبار خلافات كبيرة أو مواقف متضادة مع رموزه أو هيكليته التي كانت هيّ ذاتها جزءاً رئيسياً منه، فكانت هناك مصالحة حقيقية وتعاون بناء بين أدوات النظام من حزب البعث وأجهزة أمنية سُخرت لخدمة ابناء المدينة، على العكس مما كان يجري في بعض مناطق بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية وشمال العراق، من إستعداء وإسثمار أدوات السلطة المعروفة آنذات بالقمع والتغييب وبناء سلطة الرعب والإقصاء والتجريف، وعلى كافة المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية بتفرعاتها المذهبية والمناطقية والعرقية، فكانت السلوكيات الإستبدادية السائدة لأجهزة السلطة لا تمارس بصورتها الفعلية والدارجة في مناطق كثيرة منها الأنبار.
بواقعية كانت مدينة الأنبار العمق الإستراتيجي للقوى السنية متأثرة سلباً من التغيير عام 2003، ووفقاً للمعطيات الجديدة فقد جرت الأحداث في هذه المنطقة حيث شكلت خاصرة رخوة تمر من خلالها زمر التمرد والتي فسحت المجال فيما بعد أن تكون حاضنة لفصائل مقاومة الإحتلال والإرهاب الدولي المتمثل بالقاعدة وكل المسميات العقائدية التي يدور غالبها حول مفهوم واحد أو فكرة واحدة وهي معارضة حكم الغالبية الشيعية، وحليفهم الكردي، في مشهد أقل ما يوصف بأنه بشع يحمل في طياته الكثير من الدم والقتل والألم.
ووفقاً لهذه المعادلة المحكومة بتأثيرات خارجية، فقد غاب الدور الوطني لأبناء هذه المحافظة وحل محله المناكفة السياسية على قاعدة المذهب والقبيلة والمنطقة، ساعد في ذلك بروز طبقة سياسية من أيدلوجية واحدة متمثلة في الحزب الإسلامي، والذي لم يكن يعبر عن تطلعات أبناء المدينة، وتحقيق رغبات شعبها، بل كان مشغولاً بصناعة مراكز قوى لأعوانه تمكنهم من البقاء في الحكم لفترات طويلة، وتؤهلهم من الوصول الى مراتب ودرجات مسؤولة في بغداد، مع توفر عوامل أخرى ساعدت على ذلك نتيجة ساسيات غير مسؤولة في بغداد، أدت الى سقوط هذه المحافظة بيد ما سميّ الدولة الإسلامية في العراق والشام، وكانت هذه نقطة تحول كبيرة في تأريخ العراق، والأداء السياسي في المنطقة والعالم كذلك، فضلاً عن إن هذا التغيير المباشر كان له أثراً بالغاً في نمط السلوك والتحفيز لأبناء المحافظة ذاتها، وخاصة بين صفوف الشباب، الذين أصيبوا بخيبات أمل متلاحقة نتيجة تلك السياسيات غير المسؤولة، وغياب شخصيات سياسية قادة على بلورة موقف حازم يعبر عن حقيقة الواقع في تلك المدينة ويهيئ أجواءاً من التعامل بمصداقية ومنظور وطني ومصلحي يضمن مستقبل أبناء المحافظة.
وجرى مخاض عسير لتحرير المحافظة بمسارين عسكري من جهة وسياسي إجتماعي وإعلامي من جهة أخرى، برزت من خلاله وجود جديدة، وجادة، تعمل بمعزل عن جميع المفاهيم التي ترسخت في السنوات الصعبة العجاف، وأسست لتغيير حقيقي في طرق التفكير، وأنعكس على الأداء في السلوك، على الصعيد الحكومي والأجهزة الإدارية، وكذلك في الشارع الإجتماعي، فأحدث تحولاً جوهرياً في العملية السياسية داخل المحافظة، والنظرة الى مستقبل العراق، والتعامل مع الشركاء، فإنتقلت الأنبار من موقع المعارضة السلبية غير البناءة، الى صدارة المشهد السياسي القائد في العراق، وأصبحت مدينة مثل الفلوجة منصة للتفاعل السياسي مع كافة الشركاء السياسيين، في بغداد والسليمانية والنجف، والرمادي عضواً فاعلاً بإدارة الدولة، محفزاً لجيل جديد من الطبقة السياسية، تمثل الأن بالسيد الحلبوسي، والذي ساهم صراحة في تأسيس هذه المبادىء الإستراتيجية لبناء المحافظة عندما كان على رأس السلطة التنفيذية هناك، وعضدها عندما إنتقل الى رأس السلطة التشريعية في بغداد، مدعومة بغالبية من الجمهور الذي يشترط عدم الإرتباط بمقومات وعوامل الفشل في الماضي، والمتشدقة لبناء عراق موحد معافى فوق الطائفية والمناطقية بإطار وطني خالص.