الدعوة الحزب الذي أفسدته السلطة
كتب : علاء الخطيب
كان لحزب الدعوة دور مهم ومشهود في مواجهة الدكتاتورية،فقد قدم الكثير من التضحيات والبطولات والشهداء، وناضل و عارض النظام السابق بقوة ، ولا يمكن. ان يمر التاريخ السياسي العراقي الحديث دون ذكرِ حزب الدعوة ودوره النضالي.
في هذا المقال لست بصدد تقييم الحزب او مدحه وذمه بقدر ما يهمني ان اسجل ملاحظاتي على أدائه السياسي بعد الـ 2003 .
لم يترو الدعاة في الدخول الى السلطة والحكم ولم يستمعوا الى نصائح الناصحين بعدم الاقتراب من السلطة في المرحلة التي أعقبت الدكتاتورية .
فقد قال لي السيد طالب الرفاعي قبل سنين خلت, لقد وقعت الدعوة في الفخ حينما لهثت وراء السلطة , واضاف هذا ما قلته للمالكي والجعفري في اول زيارة لي الى بغداد .
والغرابة في الامر ان حزب الدعوة كان يرفض الدخول مع الاحتلال واستلام السلطة من خلال ذلك .
فقد نقل لي صديق كان قد اجتمع بقيادات الحزب عند التحضير لمؤتمر لندن أنصادق الركابي القيادي في الحزب قال له , اننا غير مستعجلين في إسقاط النظام, ونرى ان الشعب هو من يسقط النظام ولو طال الامر.
لكن حينما قررت أمريكا احتلال العراق وإسقاط النظام رفض حزب الدعوة الدخول معهم في باديء الامر, ولم يحضر مؤتمر لندن بحجة الاحتلال,لكنه التحق فيما بعد دون مشروع، ويبدو ان الحزب كان يفتقد للمشروع أو لم يحسب حسابه على أقل تقدير .
ففي العام 1995م سألت الدكتور ابراهيم الجعفري في حفل بمدينة لاهاي الهولندية كنت عريفه آنذاك عن مشروع الدولة في فكر الدعوة فأجابني : لدينا مشروع متكامل مطبوع تحت عنوان منهاجنا ، ووعدني ان يرسله لي لكن لم يصل الى يومنا هذا . منهاجنا بالاصل كان كراس صغير تحت عنوان ((بيان التفاهم)) صدر في العام 1984 .
تبين فيما بعد ان الدعوة حزب يحمل فكر المعارصة، ولا يعرف معنى الدولة .
فبعد سقوط الدكتاتورية في العراق كانت الأنظار متوجهة لهذا الحزب الذي طار اسمه عالياً بين العراقيين، ولكن في اول تجربة فشل فشلاً ذريعاً ،ولم يستطع لملمة شتاته ويستعد للمرحلة الجديدة, فدخل منقسماً على نفسه تحت عنوانين حزب الدعوة الاسلامية وحزب الدعوة تنظيم العراق، ولم يلبث حتى انشطر الى شطر ثالث تحت مسمى الإصلاح عندما اختلف الجعفري مع بقية أعضاء الشورى حول السلطة ، وتكرر المشهد مع العبادي .
والخطأ الستراتيجي الذي وقع فيه الحزب عندما اعتمد على الولاء في مشروع الدولة دون النظر الى الكفاءة ، فقد سلم مناصب عديدة لاناس لا يملكون الخبرة ولا المعرفة في المواقع التي تسلموها . بالاضافة الى ذلك لم يعمد الى إعداد كوادره بالطريقة الصحيحة بل غالى في تعيين الاقارب والمقربين والمحسوبية،ففسد الحزب وبدأ التآكل ينخر في جسده و تشرذم وغلبت على قيادته المصلحة الشخصية ، وذهبت كل الشعارات التي تغنى بها ايام المعارضة ادراج الرياح ولهث اتباعه وراء السلطة والمال .
ضعف تجربة السلطة وغياب المشروع جعل قيادة الحزب لا تيميز بين اصدقائهم وأعدائهم و اتسمت حركة قياداته بالانفعال والاستغراق بثقافة المظلومية،التي أظهرتهم بالمظهر الطائفي ، وهم ليسوا كذلك ، فاختلطت عليهم الأمور ولم يعد يميزون بين مشروع الدولة ومشروع الحزب، لذا فقدوا القدرة على التمييز بين مرحلية زخم التأييد المؤقته وبين الحاجات الضرورية للمواطن وهم الذين كانوا يرددون كلمة ابي ذَر الغفاري عجبت ممن بات لم يلق قوت يومه ولم يخرج شاهراً سيفه .
والعجيب ان أعضاء هذا الحزب الذين تثقفوا بنشرة حزبية كانت توزع على الأعضاء تحت عنوان ثقافة الدعوة التي كان يتداولها الدعاة ، والتي ينشر فيها مقولة للسيد محمد باقر الصدر مقتبسة من تسجيل صوتي له يقول فيها : مِنْ منكم عرضت عليه دنيا هارون ولم يقتل موسى بن جعفر ، يتفاخر الدعاة بها ويعتبرونها من عيون الكلم ، إلا انهم وللاسف جلهم قتلوا موسى بن جعفر حينما لمع في عيونهم بريق الذهب وملموس الحرير .
لقد باع الدعاة تاريخهم وجهادهم وتضحياتهم بدنيا كانوا يقولون عنها إنها زائلة ، لم يحسبوا حساب التاريخ وماذا سيكتب عنهم .
لم يحاسبوا كوادرهم الحزبية ولم يقدموا نموذجاً صالحاً,بل على العكس قدموا نماذج هزيلة ومهزومة او مأزومة تحركت بخلفية العقد النفسية أو عدم الاستيعاب .
لم يطرح الحزب خطط خمسية او عشرية لبناء البلد ،ولم يقدروا المرحلة التاريخية التي مر بها العراقيون ايام الدكتاتورية والحصار ,آثارها النفسية والاجتماعية على الشارع
لقد شرعوا قوانين مجحفة واعتقدوا انها تصب في مصلحة المظلومين كقانون السجناء السياسيين والخدمة الجهادية وقانون رفحاء ، وتناسى ان العراقيون برمتهم يحتاجون الى التعويضات عن المرحلة المظلمة .
لعبة الاعلام
لم يقدروا أو يفهموا لعبة الاعلام وتأثيره على الرأي العام ، فقد خلطوا بين الاعلام والإعلان والتهريج احياناً.
فقد تصوروا ان الاعلام هو عبارة نقل الاخبار وشراء الأقلام الرخيصة . فقد وضعوا على رأس المؤسسة الاعلامية أناس لا يقدرون المرحلة التاريخية ولم يحسنوا التعامل مع الاعلاميين , ولم يمدوا جسورهم مع الاعلاميين العرب والاجانب,ويم يشكلوا لوبيات إعلامية كما تعمل الدول الاخرى فتغلب الاعلام المضاد عليهم تماماُ.
الثقافة والفنون
تعاملوا مع شريحة مهمة ومؤثرة في المجتمع وهي شريحة الفنانين والمثقفين والشعراء بعدم الاهتمام والسخرية والاستهزاء واللامبالات, ولم يهتموا بالمسرح والموسيقى والفنون الاخرى , وفسحوا المجال لآخرين لاستغلال هذا الحقل المهم فأنشأت مؤسسات ثقافية واعلامية كبيرة و مضاد, مما سبب لهم طبقة معارضة مؤثرة في المجتمع.
مرورا الدستور دون اي بعد نظر فيما تنتج مواده من مشاكل ، فقد مرورا قانون الميزانية و فيتو المحافظات الثلاث وتركوا بعض القوانين معلقة .
قدموا نماذج فاسدة استولت على مصالح البلد.
اعتمدوا سياسة الصفقات والمبادلات السياسية بالاضافة الى ثقافة التهديد بالملفات السرية.
العلاقات الدولية
النظرة الضيقة للتعامل مع التحديات الاقليمية والدولية, ولم يميزوا بين علاقة الحزب بالدول وبين علاقة الدولة بالدول .
عربياً
فعلاقة الحزب بالسعودية والخليج مثلاً لم تكن على ما يرام ، وذلك لأسباب عديدة فقد تعاملت السعودية مع الحزب على انه اداة إيرانية ، وانه حزب شيعي ، لذلك لم تكن العلاقة معه على وفاق ، فقد قال الصحفي الكردي كامران قره داغي عن نظرة السعودية للحزب ، حينما التقى مام جلال بالملك عبدالله و قال له انتم الكرد في القلب ولكن نحن لا نستطيع ان نقبل او نتفاهم مع الشيعة ، هذه الحقيقة التي لم يفهما الحزب ولم يتعامل على اساسها, بل اتسمت فترة حكمهم بالتصعيد نستثني من ذلك فترة السيد العبادي.
العلاقة مع سوريا تنقلت من شكوى في مجلس الامن واتهام سوريا بتصدير الارهابيين الى الدفاع عنها ومساعدتها.
لذا سقط الحزب وسقطت معه التضحيات وذهبت دماء الشهداء ادراج الرياح ,وربما لديهم فرصة لاستيعاب دروس الفترة الماضية ويستعيدون انفاسهم من خلال بروز طبقة من الشباب جديدة تغير النظرة النمطية التي التصقت بالحزب.
وهناك جوانب أخرى ساستعرضها في مقال اخر.