د. احمد الميالي
يستذكر العراقيون اليوم مرور عام على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في عموم العراق والتي عرفت باحتجاجات تشرين ، هذه الحركة الاحتجاجية ناتجة عن مركب من اوضاع سياسية واجتماعية وثقافية متعدد الابعاد والدلالات وحصيلة تراكم كمي ونوعي للكثير من المؤثرات والعوامل والظروف والتفاعلات المعقدة والمأزومة، واعطاب واختلالات وممارسات سياسية لاعقلانية، وهو واقع يبرز مدى دقة المرحلة وحساسيتها الامر الذي فرض على النخب السياسية والثقافية والاجتماعية وكل الفاعلين في الحراك السياسي والمجتمعي المحلي بذل المزيد من الجهود لتجاوز احباطات الوضع السياسي وتعثراته وتداعياته السلبية وفتح ماهو ممكن ومتاح من افاق النظر والعمل من اجل الاصلاح والتغيير واعادة التأسيس والبناء لعمل سياسي وحكومي منتج وفاعل.
ويبرز في هذا السياق جملة من المعطيات والمتغيرات التي تزامنت مع هذه الاحتجاجات اصبحت من مخرجاتها وانعكاساتها، ولعل ادراك القوى السياسية لحتمية التغيير والاصلاح والاقرار بقوة دور المواطن العراقي وتأثيره في المجال العام، وادراك كل الفاعلين السياسيين ان المواطن هو حجر الزاوية في النظام السياسي وتقويمه وحتى تغييره. ويرتبط بهذا المعطى معطى اخر يتمثل بتحول مهم يعد اهم مؤشر من مؤشرات التحول الديمقراطي في العراق، وهي التحول النوعي في فاعلية عمل السلطة التشريعية في العراق التي تجاوبت مع هذه الاحتجاجات وعملت على احلال وتحقيق العديد من المطالب المشروعة، واحد اهم اسباب ذلك هو وجود قيادة شابة متمثلة بمحمد الحلبوسي مستوعبة لاهتمامات ومطالب واستحقاقات الحركة الاحتجاجية الشبابية على رأس هذه السلطة اضافة الى بعض الشخصيات والقوى الوطنية داخل البرلمان. وتنطلق اهمية هذا التحول كون
النظام السياسي في العراق كما هو معروف نظام برلماني ولهذا يعد مجلس النواب هو السلطة الحقيقية الحاكمة للدولة، اذ تنبثق منه جميع المؤسسات الاخرى وتعد الاداة الرقابية من اهم ادوات مجلس النواب وتدخل في صلب اختصاصاته الفاعلة، فقياس مستوى فعالية المؤسسات الاخرى ينطلق من فعالية البرلمان في الرقابة والمحاسبة والتشريع ومتابعة تطبيق قوانينه ومدى شفافيته ومصداقيته.
دفعت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في العراق في الاول تشرين الاول من العام الماضي، مجلس النواب لتبني حزم اصلاحية عاجلة، منها اقرار قانون الانتخابات وفق فقرات تتجاوب مع المطالب الشعبية رغم عدم اكتماله الى الان ان الجدل حسم حوله من قبل رئيس البرلمان، وايضا حل مجالس المحافظات واقرار قانون جديد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتصويت على مفوضية جديدة من القضاة وتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي ، وغيرها من القرارات المهمة ، اضافة الى تفعيل اهم ركن من اركان السلطة التشريعية المتعلق بالرقابة ، كما ان البرلمان اسس لاطار رقابة صارم ووضع اطار مساءلة فعال. وعمل مجلس النواب على اتباع نهج أوسع نطاقاً تجاه دعم الاجراءات الرقابية، بغية التصدي لمصادر الفساد السياسي وتطبيق القانون على اياً كان، فخلال هذا العام ورغم التحديات والظروف الاقتصادية والصحية الصعبة تمكن البرلمان من تقوية الدور الرقابي له عبر توسيع نطاق المحاسبة والتعاون مع القضاء في ممارسة الرقابة الذاتية حتى على اعضاءه وبهذا النهج سيتمكن البرلمان من مراقبة اعمال الحكومة ومؤسسات الدولة كافة بشكل فعال ويخضعها للمحاسبة وتطبيق اجراءات القانون، وهذا يسهم في تفكيك ومواجهة الأزمات التي يمر بها العراق والتعافي من آثارها، لاحتواء التراكمات السلبية المتعاقبة في العراق.
هذه الفاعلية يجب ان تدعم وتستمر سواء على مستوى التشريع او الرقابة او تلبية مطالب المواطنين وستعزز وتؤكد وجهة نظر الشارع العراقي بمسؤولية البرلمان في ادارة الشأن السياسي وتوجيهه، وبالتالي سيقلل الفجوة بين المجتمع والسياسة ويواجه ظاهرة العزوف وضعف المشاركة السياسية والانتخابية الشعبية تحديدا.
هنالك العديد من المعطيات والتحولات التي افرزتها احتجاجات تشرين وكانت بمثابة
دافع وحافز للطبقة السياسية في ان تواجه الاختلالات والاعطاب والممارسات اللاعقلانية التي دفعت لتحفيز الاحتجاجات الرافضة للسياسة ولوجود الطبقة السياسية. وهنالك من يريد ان يدفع بنسف كل المخرجات الايجابية للاحتجاجات ليذهب الى الفوضى واللا استقرار واللادولة، لكن يقع على عاتق الشعب وممثليه في البرلمان مواجهة هذا السيناريو المخطط له، عبر تهدئة الاوضاع وتهيئة الظروف لتبكير الانتخابات البرلمانية القادمة والعمل على تفكيك ومواجهة الازمات المتلاحقة التي يواجهها العراق. والفرصة متاحة الان في ظل وجود رئيس البرلمان وبعض القوى السياسية التي تجاوبت وانسجمت مع مطالب العراقيين ودعمت احتجاجاتهم وتمثيل ارادتهم