حرية الرأي والتعبير في العراق : الحدود والاهداف

د احمد الميالي

قد اكون مختلفا عن الكثير من زملائي في العمل الاعلامي والصحفي والاكاديمي فيما يخص دعوتي الى وضع ضوابط وحدود وخطوط لحرية الرأي والتعبير والنقد ، كوني انتمي لهذه الفئات ويجب ان لا اضع امام نفسي مثل هذه الحدود التي يعتبرها الكثير بمثابة قيود وتعدي وانتهاك حرية العمل الاعلامي والصحفي. لكن الحقيقة والكل يعرف ذلك ان لهذه المجالات ضوابط في كل الانظمة السياسية بشتى توجهاتها حتى في الانظمة الديمقراطية، فالنقد يجب ان يكون بناء اي يشخص الاخطاء والسلبيات في اطار الممارسة للمؤسسات والقيادات في المجال العام وفق محددات وادلة ، ثم طرح البدائل والحلول والمخارج واحيانا دون حتى تسمية الاشخاص او المساس بمكانتهم واحترام مراتبهم والمواقع التي يشغلوها الا في حال التجاوز الفاضح والواضح والمثبت ويكون عبر نقده واشعار الجهات الرقابية ذات العلاقة باخذ المسارات القانونية والادارية لمواجهة هذه الخروقات والمخالفات والتجاوزات.
في العراق لا احد ينكر وجود الفساد السياسي والمالي والاداري ولا احد يستطيع ان يمنع وسائل الاعلام والرأي العام من تشخيص ذلك، لكن حينما يكون مثبتا وبالادلة ، لكن الحاصل ان معظم وسائل الاعلام والعاملين فيها واصحاب الرأي يندفعون صوب الاستهداف الشخصي والمؤسسي للمسؤولين والمؤسسات والاحزاب بدوافع لاتخلو من وجود مآرب واغراض سياسية واقتصادية وادارية ، نتيجة الارتباط المباشر او غير المباشر لهؤلاء بالاحزاب والقوى السياسية المتصارعة. ولهذا نجد ان مسألة التعدي على الشخصيات السياسية كالرئاسات الثلاثة اضافة الى القضاء كمؤسسات واشخاص اصبحت ظاهرة طبيعية تصل بالحال الى اتهامهم ليس بالفساد المالي او السياسي بل الشخصي والاجتماعي والتخوين والعمالة.. الخ من التهم التي نسمعها يوميا في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بشكل ممنهج. وهذا طبعا اخلال بضوابط وحدود ومقاصد حرية النقد والرأي والتعبير ليخرج من اطار التصويب واجتراح الحلول الى اطار التسقيط والتشويه والاضرار بمؤسسات الدولة ورمزيتها امام الرأي العام المحلي والدولي والنيل من سمعة البلد ومؤسساته ورموزه ، والدوافع واضحة.
اما اصحاب مثل هكذا تشويه فيشكل لهم مدخلا ضاغطا للحصول على المناصب والمواقع النافذة او مصدرا للحصول على الاموال او رد فعل لعدم حصولهم على هذه الامور ، ولانبخس وجود اصوات نقدية هادفة وتصحيحية وفقا للحدود والضوابط المرعية في ممارسة هذه الحقوق.
النيل من المؤسسات الرسمية العليا ورموزها تحت اي مبرر وبشكل انتقائي او مقصود دون مراعاة اسقاط سمعة الدولة وهيبتها والاضرار الشخصية الناجمة عن هذا الاستهداف يخرج حرية الراي والتعبير والنقد عن سياقه ويجعله اداة للارتزاق والحصول على الاهتمام والشهرة الاعلامية ومكاسب مايرتبط بذلك.
اخيرا نقول ان مكانة وسمعة السلطة القضائية التي تعد المرتكز الاخير لبقاء الدولة في العراق من الضروري ان تكون خارج نطاق الاتهاك والاستهداف الاعلامي والصحفي، فيجب ان نحافظ على هذه المؤسسة وصيانة هيبتها من الانتقاص والتجريح، ولازلت اتذكر في لقاء صحفي لي في احد القنوات العربية مع ضيف من الاخوان المسلمين في مصر ورغم انه كان معارضا للنظام السياسي لكني حينما تعرضت للقضاء لتماهيه مع السياسة انبرى الضيف الى الانسحاب من البرنامج امتعاضا منه عليّ لنقدي لهذه السلطة ولم يقبلها مني ولا من مقدم البرنامج لعدم رده عليَّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *