كتب : د.احمد الميالي
تعد الانتخابات الاطار الاوسع للتعبير عن مفهوم الديمقراطية والحقل الواقعي للقياس والاختيار. والاستحقاق الانتخابي بمعنى الحق في ممارسة السلوك الانتخابي اضافة الى حق الترشيح يعد اداة رئيسة للتعبير عن ارادة وسيادة ودور المواطن في ممارسة حقوقه وواجباته في الشأن العام وهذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية.
فالعملية الانتخابية احدى الاليات الجوهرية لبناء الديمقراطية ولكي تكون كذلك لابد من اشتراطات فاعلة تحترم من قبل الجميع. وبقدر تعلق الامر بالحالة العراقية التي تطلبت تبكير اجراء الانتخابات البرلمانية واصبحت ضرورة محلة شعبيا وسياسيا ، الا ان اجراءها يستلزم تأمين اشتراطات عدة لكي تكون مخرجات تلك الانتخابات منسجمة مع مقتضيات ومقاصد اجراءها نحو التغيير والاصلاح.
ومن تلك الاشتراطات ما أثاره واكد عليه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في ثلاث سياقات “بعد ان حُسم تقريبا موضوع جدل القانون الانتخابي باتجاه استكمال ملاحقه ونشره وامكانية مراجعته بعد ذلك حسب تعهد الحلبوسي” :
السياق الاول : استعادة قوة وهيبة الدولة: عبر نزع سلاح الجماعات المسلحة وحصره بيد الدولة سواء كانت احزاب او تيارات او عشائر او افراد وبغض النظر عن التوزيع المناطقي والمكوناتي لتلك الجماعات والجهات اياً كانت.
فقبل الانتخابات المبكرة لا بد من استعادة الدولة ومؤسساتها من هيمنة الزعامات والكيانات والجماعات المسلحة ، واحلال مفهوم الدولة ومستلزماتها في وعي المواطن بشكل سليم بعد عقود طويلة من فقدانها مما جعله يستعيض عنها بالعشيرة والمذهب والقومية…
وهذا يتطلب إرادة والتزام سياسي ومجتمعي قوي وفاعل، تضع الدستور والقانون في مكانه الصحيح.
السياق الثاني : ضمان نزاهة الانتخابات : لا يمكن التفاؤل حول مخرجات الانتخابات القادمة في ظل وعي غير معافى ومشوه يتزامن مع وجود عشرات المخارج القانونية والحزبية والمالية والاعلامية والتزوير والفساد مما يجعل من محصلة صناديق الانتخابات شيئا غير جديد وغير مختلف عما سبق.
فقد اشرت احدى الكتل السياسية وقيادات سياسية مؤخرا الى وجود ملايين من بطاقات الناخب الالكترونية بحوزة جهات سياسية معينة تستخدمها للتزوير وهذا قد يعمل على عدم حصول اي تغيير في الوضع السياسي، ويقوض جدوى تبكير الانتخابات، اذ تعد مصداقية النتائج الانتخابية مدخلا اساسياً للمحافظة على مبدا التداول السلمي والسلس للسلطة من حكومة الى حكومة ومن رئيس وزراء لاخر ، وهذا يتطلب ان تكون النتائج الانتخابية غير مشكوك في نزاهتها وشفافيتها، ومستندة الى توجهات الرأي العام واهتماماته، كما لابد ان تكون هنالك قناعة متبادلة بنتائج الانتخابات سياسيا ومن قبل الناخبين ايضا، وهذا مايجعل عملية تشكيل الحكومة قائم على اساس قواعد واضحة واستعداد مسبق وقناعة تامة بتلك النتائج التي يجب ان تؤسس على تحالفات سياسية تكون حساباتها متطابقة او متقاربة على الاقل من المنهجية الديمقراطية.
السياق الثالث : قبل كل ذلك : هل ستوافق القوى السياسية المتضررة من اجراء الانتخابات على حل البرلمان ؟ وهل القوى السياسية التقليدية مستعدة للدخول في السباق الانتخابي؟ وبالتالي ستصوت لصالح حل البرلمان وتأييد الدعوى لانتخابات مبكرة ؟ .
المعروف ان معظم القيادات السياسية الهرمة تستخدم ورقة الانتخابات المبكرة في اطار المزايدات السياسية، وهي تخشى خوض الانتخابات بسبب وجود قيادات شبابية لها امتداد جماهيري وعمق سياسي اقوى منها تحل بدلا عنها ، فضلا عن وصول قوى شبابية من رحم حركة الاحتجاجات ستقضم من مقاعد تلك القوى، ولهذا ستعمل الاخيرة على تنشيط الخطاب السياسي الشعبوي المعتمد على تسقيط القيادات الشابة المنافسة ، وايضا استدامة الازمات وعدم حل القضايا المسهمة في انجاح الانتخابات المبكرة ومنها نزع السلاح وتعضيد قوة الدولة وتوفير مستلزمات نجاح الانتخابات في سياق نزيه وشفاف.