د.احمد الميالي: استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد

تعد السلطة التشريعية اهم السلطات في الانظمة التنافسية وفاعلتيها من اهم مداخل تحقيق الاصلاح وتعمد انعكاسا لبقية السلطات والمؤسسات في الدولة، فاذا كانت تلك السلطة فاعلة وقوية فان الفاعلية والقوة ستشمل بقية السلطات ومؤسسات الدولة العامة.
لكن هذه الفاعلية تحتاج الى ارادة والتزام سياسي وتعاون من السلطات الاخرى كالحكومة والقضاء والهيئات المستقلة الاخرى بما يعزز بشكل قوي ومتواصل مواجهة ومكافحة الفساد وتقوية اطار المحاسبة والمساءلة، هذا التعاون والالتزام يعمل على تأسيس مصداقية شعبية بالفاعلين السياسيين عندما يتبوّن سياسة عدم التسامح مع الفساد وشن هجوم مباشر عليه مما ينجز الفاعلية في اداء المؤسسات ويشجع الاصلاحات باسرع وقت ويحقق نتائج سريعة، وايسر السبل لذلك هو تنشيط وتطوير ودعم السلطة التشريعية واجراءاتها.
لكن اعتادت القوى السياسية على عرقلة جهود هذه السلطة، ومباشرة حملات التشويه على سمعتها والتأثير على اجراءاتها او عدم تطبيق قوانينها وقراراتها، قيام البرلمان في دورته الرابعة الذي يترأسه محمد الحلبوسي بفتح ملفات الفساد في الكهرباء والموافقة على طلبات القضاء لرفع الحصانة عن بعض اعضاء البرلمان يؤشر دخوله مرحلة جديدة لمجلس النواب تعمل على التأسيس لاطار رقابة صارم وتقوية اطار مساءلة فعالة.
بعد تمرير حكومة مصطفى الكاظمي داخل مجلس النواب” الذي ادى دورا ايجابيا في التعامل مع ملف تشكيل الحكومة”، بات من الضروري تسريع وتيرة حسم ملفات الفساد والملفات القضائية العالقة خاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد السياسي والمالي وغيرها من القضايا المختلفة، وفقا لمبادئ المحاكمة العادلة وضمان حقوق المتقاضين، وتأتي هذه الخطوة ضمن خطوات الاصلاح السياسي المطالب بها من قبل المحتجين، كما انها ترسخ تعاون بين السلطتين التشريعية والقضائية ، ومنحهما الثقة والقوة والمصداقية، خاصة ان هنالك حملة مضادة على البرلمان ودوره في اطار الرقابة والتشريع، و غالبية اصحاب هذه الحملة : من رجالات السياسة..فهنالك اطراف سياسية متهمة بالفساد وعليها ملفات قضائية عمل البرلمان على رفع الحصانة البرلمانية عنهم، ويقع على عاتق السلطة القضائية التعاون مع البرلمان لحسم تلك القضايا، اذ هنالك ضعف في المحاسبة القانونية لاصحاب النفوذ السياسي ومنهم اعضاء في مجلس النواب .
في العراق النظام السياسي كما هو معروف نظام برلماني ولهذا يعد مجلس النواب هو السلطة الحقيقية الحاكمة للدولة وتنبثق منه جميع المؤسسات الاخرى وتعد الاداة الرقابية من اهم ادوات مجلس النواب وتدخل في صلب اختصاصاته الفاعلة، فقياس مستوى فعالية المؤسسات الاخرى اضافة الى قوة القضاء، ينطلق من فعالية البرلمان وقوته في الرقابة والمحاسبة والتشريع ومتابعة تطبيق قوانينه ومدى شفافيته ومصداقيته، وهذا يجب ان ينسحب على اعضاء المجلس نفسه اذا ماخالف بعض اعضاءه القانون او طالتهم اتهامات تتعلق بقضايا فساد ونزاهة وغيرها من الجنح او الجرائم.
عانت السلطة القضائية من عدم تجاوب البرلمان طيلة الدورات السابقة بالتعاون بهذا الشأن، ولم ترفع الحصانة عن العديد من نوابه المتهمين بالفساد والارهاب “الا بحالات محدودة” ، بالمقابل تعددت مطالبات القضاء بهذا الشأن، فقد طلبت السلطة القضائية عام ٢٠١٦ رفع الحصانة عن ١٢ نائب ،لكن لم ترفع الحصانة عنهم ، وفي عام ٢٠١٧ طلب القضاء رفع الحصانة عن ٢٤ نائب ، ولم يتم رفعها عنهم ، وكذلك قدم مجلس القضاء الاعلى طلبا لرفع الحصانة عن ١٣ نائب متهمين بالارهاب وجرائم وجنح سابقا ولم ترفع عنهم، وقبل ايام طلب مجلس القضاء الاعلى رفع الحصانة عن ١٨ نائب، ويتأمل رفع الحصانة عنهم خاصة مع وجود تعاون من قبل رئيس مجلس النواب محمد الحلوبسي في هذا الشأن وهنالك ضغط شعبي كذلك، وبالتالي لايوجد اي نائب عراقي سابق او حالي وكذلك الوزراء ووكلائهم تحت طائلة القانون.. بل امتد هذا القصور حتى على مستوى الشفافية التي تقتضي على سبيل المثال كشف الذمم المالية للمسؤولين فعلى صعيد مجلس النواب لم يكشف ٢٠٧ نائب من مجموع ٣٢٥ نائب من الدورة السابقة عن ذممهم المالية، في حين لم يكشف ٢٠٠ نائب من مجموع ٣٢٩ نائب في الدورة الحالية لغاية الان، “على الرغم ان رؤساء السلطات الثلاث ورئيس مجلس القضاء الاعلى ، كشفوا عن ذممهم المالية”.
عدم الجدية في مكافحة الفساد السياسي وتفعيل الخضوع للمحاسبة واجراءات العدالة كأولوية في جدول أعمال السلطات الرئيسة ، يعمل على ضياع اللحظات الاصلاحية والتماهي مع السياسات التقليدية التي فرضت استمرارية الاخفاق وضعف البنى السياسية اللازمة للبناء الديمقراطي والتحديث السياسي.
ولهذا وفي معرض الاستجابة لطبيعة الأوضاع الهشة متزايدة التعقيد، على الحكومة الجديدة والقوى السياسية الوطنية ان تتخذ نهجاً أوسع نطاقاً تجاه دعم السلطة التشريعية و القضاء والمؤسسات الرقابية ، بغية التصدي لمصادر الفساد السياسي وتطبيق القانون على اياً كان، فدعم فعالية السلطات التشر والرقابية وتعزيز قدراتها يعمل على تفكيك ومواجهة الأزمات التي يمر بها العراق والتعافي من آثارها، وهذا يفرض التركيز على النهج القائم على مبارزة الفساد ومحاكمة الفاسدين ، والمساواة امام القانون وضمان تطبيق العدالة على الجميع ، وتلك أهم محاور التعافي واحتواء التراكمات السلبية المتعاقبة في العراق.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *