كتب محمد السيد محسن
…..
حين اخترع الإنكليز قانون سانت ليغو الانتخابي كان قصدهم ان يعطوا الشعوب الديمقراطية بجرعات متتابعة وليست بدفعة واحدة ، وحرصوا على تنمية الديمقراطيات الناشئة كي لا تتمرد الشعوب وتنتهز الديمقراطية فتتحول بلدان الى الفوضى من بوابة الديمقراطية عبر الاحتكام لصناديق الاقتراع.
ولذلك اعتمد نظام الكسور الرقمية او العتبات الفردية في حساب الأصوات الانتخابية.
كانت الحاجة لهذا القانون الانتخابي متوائمة مع بعض التحولات الديمقراطية التي اختارتها بعض الممالك الأوربية مطلع القرن العشرين فتمت تجربة هذا القانون في النرويج والسويد عام ١٩١٠ وحينها تم تعريف القانون على انه: طريقة انتخابية تحد من العيوب الناتجة من اندفاع بعض الذين يطبقون الديمقراطية بعاطفة ، ويحد من محاولات التغيير المفاجئ في المجتمع.
وبذلك فقد سن هذا القانون بحيث يدعم أصحاب السلطات السابقة ويمنح فرصة لدخول مشاركين معهم من فائزين جدد.
وبعد ان تحسن الشعوب أداءها السياسي والمجتمعي وفق ثقافة مسؤولة فان هذا القانون لن تعود له جدوى ، لذلك ترى ان تجارب سانت ليغو التي طبقت في عديد من دول العالم تمتاز بنقطتين مهمتين ، أولاهما انها كانت تعيش مرحلة ديمقراطية ناشئة ،. ثانيهما انها تدرجت في التخلص من الأرقام الفردية وباتت تستخدم القاسم رقم واحد بدون أية قرينة ليعرف كل حزب حجمه الحقيقي بالأرقام وليس بالتأثير السياسي.
ويشذ العراق عن هذا المقياس التاريخي فيمعن في تطبيق قانون سانت ليغو بصيغته السهلة أولاً ثم يتدرج نحو الأصعب واقصد بها : استخدام الأرقام الفردية العالية التي تمنع من أية عملية تنمية ديمقراطية في البلاد .
ولم اجد مبررا لاستخدام القانون بأعلى قيمه السلبية ” ١،٩ ” سوى ان الأحزاب المتنفذة باتت تدرك عدم قدرتها على التنافس مع أخرى جديدة فتخشى ان تخسر كل المكتسبات التي حققتها طيلة الأعوام المنصرمة.
الأحزاب العراقية التي دعمتها سلطة الاحتلال الأمريكي في العراق القادمة من خارج العراق والمنبثقة بعد الاحتلال ، جميعها بدون استثناء كانت مع مشروع الانتصار على إرادة الناخب العراقي فساهمت مع بعضها البعض للدفاع عن وجودها غير المشروع في العملية السياسية المستقبلية في العراق حيث انها تسعى للبقاء بغض النظر عن تمكين المواطن لنيل حقه الانتخابي وعدم تضييع الأصوات عليه ، وكذلك فهي لم تهتم بعزوف المواطن لان بقاءها في المشهد السياسي هو الهدف الأول والأخير لها .
كان الأولى بالعملية السياسية في العراق ان تأخذ المواطن العراقي الى بر الأمان بالتنوير وليس غطسه في التجهيل والإمعان بتجهيله وعدم تمكينه من التقدم والرقي.
ان التجارب الديمقراطية الناحجة للشعوب لم تصنعها سياسات التحايل من قبل الأحزاب بل صنعها تمكين تلك الأحزاب للشعوب بممارسة الديمقراطية الحقيقية وترك صندوق الاقتراع يدلي بنتائجه دون تدليس وخيانة.
كل هذا وما زال بعض العراقيين يعتبرون ان بعض النخب السياسية بمثابة تاج على رؤوسهم فيدافعون عن اخطائهم ، وهم يعلمون تماما ان قوة تلك النخب تعتمد على ضعف المجتمع ، واستمرار بقاء تلك النخب مرهون بتجهيل الشعب وعدم تمكينه من ممارسة حقوقه بشكل متكامل،. تنظيم صفوف تلك الأحزاب الحاكمة يعتمد على فرقة وتشتيت الشعب.
ولكن العاصفة قادمة بلا شك ، فالشعوب تصبر ، وتصبر ، لكنها لا تستسلم وهذه هي السنن المجتمعية ، بيد ان العاصفة العراقية وفق تجارب سابقة تتسم بالتغيير المتطرف الى حد كبير ، لا تبقي من الذين تستهدفهم كرامة ولا حياةً ، فهل من متعظ؟
alsaidmohsin@gmail.com