مشتاق الربيعي
ما يجري اليوم من حرب إبادة جماعية بحق أهلنا في غزة، وبأسلوب وحشي تجاوز حدود الخيال، هو جريمة مفتوحة على مرأى ومسمع العالم. إنها ليست معركة عسكرية عابرة، بل مجازر ممنهجة تمارسها آلة القتل الصهيونية ضد شعب أعزل، لا يملك إلا إيمانه بحقه وأرضه وكرامته.

هذه الحرب الدامية كشفت للعالم أجمع أن الإنسانية أصبحت سلعة خاضعة للمصالح، وأن الضمير العالمي قد جفّ، أو مات واقفًا أمام الدم الفلسطيني الذي يُهدر كل يوم دون أن يهتز له عرش عدالة أو قانون.

النساء يصرخن، الأطفال يموتون تحت الركام، الشيوخ يُدفنون أحياء، والمستشفيات والمدارس والمساجد تُقصف بلا رحمة. لم يعد هناك خطوط حمراء، فكل المحرمات سقطت، وكل القيم دهستها آلة الحرب الهمجية.

ووسط هذا الجحيم، يقف العالم متفرجًا، صامتًا، عاجزًا، أو متواطئًا.
أين الأمم المتحدة التي تدّعي حماية السلم الدولي؟
أين الدول العربية التي تتحدث عن وحدة الصف والمصير المشترك؟
أين تلك العواصم الغربية التي لا تتوقف عن إلقاء الخطب حول حقوق الإنسان والديمقراطية والسلام؟

لقد أصبحت بيانات الإدانة مجرد حبر على ورق، وأصبحت المؤتمرات والنداءات محض استعراض دبلوماسي بارد لا يُنقذ طفلًا ولا يُعيد شهيدًا.

الفلسطينيون لا يطلبون الشفقة، بل يطالبون بحقهم المشروع في الحياة، في الأرض، في الكرامة. هذا الحق الذي سُرق منهم منذ أكثر من قرن، منذ وعد بلفور المشؤوم الذي منح أرضهم لمن لا يستحق، وشرّدهم عن ديارهم، وفرض عليهم واقعًا من الألم لا يزال مستمرًا إلى يومنا هذا.

ذنب فلسطين أنها لم تساوم، ولم تفرّط، ولم تخضع.
ذنبها أنها لا تزال جميلة، مثل يوسف، وخانها العالم كما خانه إخوته.
لكنها، ورغم الخيانة، لم تفقد إيمانها، ولم تنكس رايتها، ولم تركع.

إن غزة، بصمودها، تعيد تعريف معنى الشجاعة.
وإن كل قطرة دم تُسفك هناك، هي لعنة على كل من صمت أو تواطأ أو باع القضية بثمن بخس.

لقد آن الأوان أن نعيد النظر في كل شيء: في مواقفنا، في تحالفاتنا، في صمتنا الطويل. فالقضية الفلسطينية لم تعد مجرد قضية وطنية، بل هي ميزان أخلاقي نُختبر به جميعًا؛ فإما أن نكون مع العدالة، أو ضدها، ولا مكان للحياد في زمن المجازر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *