محمد السيد محسن

كتب محمد السيد محسن
…………
نعيش ذكرى اعنف صدمة عراقية غيرت مجرى تاريخ مدينة عراقية عريقة وفتحت الباب واسعاً أمام اكبر امتحان اخلاقي بشري حين بدأنا نشاهد لحىً وسخة تقود الحياة في مدن بكاملها في العراق ، وحين شاهدنا سوق النخاسة لبيع فتيات يزيديات جهاراً ، وحين شاهدنا قتل الآلاف بدم بارد في اعظم تصفية عرقية في تاريخنا بمدينة تكريت ، وشاهدنا تنصل القادة وعدم قدرتهم على التحلي بالرجولة اللائقة بالاعتراف بخطيئة التقصير ، والانسحاب المشرف من المنصب وترك مسؤولية المواجهة لغيرهم ، تلك وغيرها سببتها ما أطلقت عليه سابقا ، ودائما .. صدمة الموصل .
كانت صدمة عراقية واقليمية وعالمية غيرت مجرى التاريخ ، وغيرت من قناعات الآخرين بالإسلام والمسلمين ، واستطاعت ان ترسم سياقات جديدة لتعامل الدول مع بعضها البعض ، وقادت مجاميع لتركب موجة الشرف الوطني لتكشف بعد ذلك عن وجه المقاول الذي يمارس سياسة الابتزاز من اجل ان يمتص دم الآخرين .
كانت صدمة استوجب على اصحاب القرار ان يقفوا بشكل بطولي لكنهم وجدوا في النعامة خير مثال ليدفنوا رؤوسهم في رمال الذاكرة المقدسة ويتخلصوا من مسؤولية المرحلة.
كانت صدمة للامان وللبناء وللأخلاق وللمنطق ، ولم نكن جديرين بها لانها محنة لا تليق الا بالخانعين، تحتاج بنّائين حكماء ولا تحتاج ناعقين اذلّاء.
المثير اننا لحد الان لم تستطع ان نحدد مسؤولية تلك الصدمة ولم نستطع ان نشير “رسمياً” بالبنان الى مسبب تلك الصدمة ، لنكتشف افتضاح عورتنا وضعف ارادتنا وخذلان جرأتنا.
اطلعت على تقارير اممية ومتخصصة كثيرة كانت تؤكد ان تداعيات الصدمة ما زالت متواترة ومن الممكن ان تطيح بنا من جديد ، فلا نحن انتصرنا على الإرهاب بعد ، ولا مدننا المحررة ذاقت طعم الحرية بعد ، ولا وصلنا الى جحر الافعى بعد ، ولا استطعنا ان نسترخي لاننا أزحنا التهديد بعد.
كل يقف على ساق واحدة وينتظر ان يهدّه التعب ليسقط في حضيض التورية لاننا لم نحسن الاستفادة من تجربة الصدمة ، حيث ان أية مراجعة بسيطة لمجريات الأحداث تنقلنا الى كابوس لئيم حين نعرف ان الوطن لم يعد في قلوب الوطنيين وأنهم هم الذين باعوا ترابه لجيرانه ، وان الذين أوهمونا بالدفاع عن شرفنا هم من كانت اعينهم تسترق النظر الى خلفيات نسائنا ، وان الذين أوهمونا بسكب الدماء لكنس الخوف هم اليوم يعتاشون على باذلي دمهم ليصلوا بهم الى مناصب ومرافئ القرار ليكتبوا تاريخاً جديداً ليس فيه بارقة أمل العودة للوطن الواحد .
صدمة الموصل أخذت معها السيادة فبات قرار الكثير من اصحاب القرار يستورد من الشرق ، ولا عجب ان تتخندق قوات تركية في عمق ارضنا ونحن نكتفي بالصمت، ولا عجب ان نستورد رموزاً لبلادنا من الجيران بعد ان سمعنا مقاتلينا يعترفون دون وجل او حياء بأننا لولا تلك الرموز لكنّا في خبر كان.
صدمة الموصل باتت كجرح يفغر فاه للتاريخ ويطالب الآخرين بالثأر لكرامتنا المضيعة ، ولدماء شبابنا التي انسكبت في مياه دجلة ، وكان حريّاً بنا ان نبني وطناً بلباس السيادة لكننا لم نحسن التصرف فسلم بعضنا السيادة لوطن اخر واكتفينا بالغناء.
صدمة الموصل تدفعنا لنتعظ كي نثبت لانفسنا أولاً اننا ما زلنا عبيداً ، كي نثور ونتخلص من قيودنا ، لكننا للأسف أصبحنا نعيش وهم الحرية الزائفة .
ومن لم يتعظ لغدٍ بأمسِ
وإن كان الذكيُّ هو البليد
رحم الله الجواهري
alsaidmohsin@gmail.com

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *