وسـام رشـيد
ظهر محافظ كربلاء نصيف الخطابي في مقطع فيديو يذكر المواطنين بإن لا رمز في مدينتهم سوى ما يؤمن به هو شخصيا، وان شجرة الميلاد مدعاة للرقص والغناء لا يسمح بمشاهدتها ونصبها ، متوعدنا المخالفين بعقوبات محددة، وقد اثار هذا التصرف عاصفة من الجدل بين مؤيدين ربطوا قدسية المدينة مع المظاهر الدخيلة وميلاد المسيح وبدعة الاحتفال بها، ومعارضون يصفون الخطابي بالتناقض، والتفكير الاصولي أكثر مما هو محافظا، اذ ان هذا التصرف قد يقرّبه من التجديد له لإنتخابه مرة اخرى محافظاً لكربلاء بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، مما يستوجب مباركة خاصة من قبل المؤسسات الدينية الأكثر نفوذاً في كربلاء.

انسحب هذا الجدل لمدينة النجف وما يشهده شارع الجواهري (الروان) من صراع منذ سنوات عديدة بين معتقدي القدسية وخصوصية المدينة وبين اخرين لا يرون ضرورة لربط القدسية بمجموعة تصرفات يعبر فيها بعض الشباب عن أفراح افتراضية قد تأخذ اشكالاً غير مرغوبة وربما غير لائقة لكنها لا ترقى ان تكون مخالفات لأسس ومفاهيم قدسية المدن التي لا يتفق غالبية من يستخدمها حول تعريف يفسر حدود وملامح وضوابط تلك القدسية.

إثارة الموضوع قبيل أيام من الاحتفال عالمياً برأس السنة الميلادية وعند إعلان نتائج الانتخابات المحلية التي فازت بها التيارات الأصولية وعدم مشاركة التيار الصدري له دلالات عديدة في ان التشديد هذه المرة قد يأخذ أبعاداً قسرية في فرضه وبما يتناغم مع طقوس الاحزاب الدينية الفائزة، والمقاطعون منّ الصدريين أيضاً، في توظيف إعتادت بعض على بثه الكثير من الشخصيات الحكومية والسياسية في مراحل مفصلية عديدة ومواقف تستوجب البحث عن ازمات تُلهي الخصوم وتحرف الأنظار عن مشاكل وتجاوزات اساسية ترافق عملها.

لم يغب عن ذاكرة محافظ كربلاء ان يصدر قراراً ادارياً قبل شهر او شهران بعدم السماح باستيراد أشجار الميلاد وتعميمه على المؤسسات الخاصة في شوارع المدينة المجملة بمجسمات لا تختلف كثيراً عن شجرة الميلاد رغم فارق الرمزية، لكنها لحظة بروباجندا ضرورية على الاغلب كانت معدة بانتظام لإرسال موقف محدد لجهات غالباً كانت غير مقتنعة كلياً بالتجديد له، خاصة وان نتائج الانتخابات في العراق لا تعني تولي الفائز.

منطلق احياء القيم المحترمة وترك العادات الدخيلة في المجتمع العراقي ترتبط دائماً بما تحققه الطبقة الحاكمة من نجاح بتنفيذ واجباتها التي تحدد الأولويات مثل مكافحة الفساد والمخدرات والبطالة وتأمين السكان وضمان التعايش ونبذ العنف وتوفير الخدمات البلدية والصحية وترسيخ قواعد التعليم مع الاستمرار بحملات الإعمار وتشييد البنى التحتية في قطاعات السياحة والصناعة والزراعة.

الفراغات التي احدثتها الحكومات في عدم تنفيذ برامج اصلاحية هي من تسببت في دخول ممارسات كثيرة لا ترتبط بإرث حضاري او مجتمعي او ديني عراقي، وهي عادة ما تكون وسائل غير مباشرة للاحتجاج والتعبير عن الرفض لممارسات اخرى ذات اهمية كالسلاح المنفلات وتحييد القانون وبناء مراسي للقوة على اساس طائفي او عشائري ومناطقي.

ولا يمكن على اي حال فصل الحرية في الاحتفال بين المتاح في بغداد على بعد 70 كم فقط عن المحظور في كربلاء او النجف 160 كم، فالمنظومة الاخلاقية وقواعدها وسلوكياتها لا تختلف جذرياً بين هذه المدن، بل تتشابه في وجوه عديدة وترتبط بقواعد سلوك عشائري متفق عليها، لكن المختلف هو رمزية الأماكن المقدسة في مراقد الأئمة عليهم السلام، وهنا لا بد من وضع ضوابط وبث تعليمات وحث المحتفلين وأعدادهم كبيرة وتذكيرهم بأهمية تواجدهم في هذه الاماكن المقدسة التي تعني الكثير لسكان هذه المدن، والتعامل مع الموضوع بروح المسؤولية تجاه الجميع لا فئة دون اخرى، والابتعاد عن الارتجالية في اصدار قرارات انفعالية لا تعالج المشكلة بل تتسبب في ازمة مضافة غالباً ما يكون الهدف منها تحقيق مكسب سياسي كما في حدث مع محافظ كربلاء.

اخيراً ينبغي تَفَهُم شعور عام يشغل شريحة كبيرة ومهمة من الشباب: هي انهم دائماً يشترطون احترام كثير من النظم المجتمعية بمقدار مساهمتها في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والإصلاح السياسي وتعديل مسارات العملية السياسية والاجتماعية المتعثرة بتراكمات من الفساد والانحراف عن طريق بناء المواطن على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *