حسين فوزي
ما نسب للسيد أمين بغداد عن تبريره لقطع أشجار معمرة، واعداً بأن الأمانة ستزرع الاف البدائل عنها تعويضاً عن هذا العدد المحدود الذي يقطع، يثير دهشة ابسط المعنيين بالبيئة والاحتباس الحراري في الارض وتلوثها، وهذه كلها ظواهر مكثفة عندنا في العراق بفعل الجفاف والتصحر وتزايد عدد المحركات العاملة بالوقود الاحفوري، بالأخص السيارات ومولدات الكهرباء، بجانب التقلص الكبير لتدفق المياه من الجوار.
إن الأشجار المعمرة التي سمح السيد أمين بغداد بقطعها، ولم يتمكن من “اجتثاث” جذورها الضاربة عميقاً في أرض وادي الرافدين، لن يستطيع الأمين واجهزته استعادة مثيل لها، فلا الفراتين كما كانا بتدفقهما، ولا المياه الجوفية بالوفرة التي كانت عليها، وقد تمكنت هذه الأشجار من الصمود لأن جذورها موغلة في عمق الأرض مسافات تستدعي عشرات السنين، إن لم نقل المئات، على حد تعبير خبيرة المياه السيدة شروق العبايجي.
إن التبسيط الذي تعامل به السيد الأمين وأجهزته مع أشجار معمرة هي بعض من معالم بستان الله على الأرض، بغداد، هو جريمة ليس فقط بحق المواطنين الذين تشويهم الحرارة المتزايدة عاما بعد عام باتجاه درجات تستحيل معها الحياة، بل أنه يساهم في هذا الاجراء بموت سريع مباشر لمئات الاف العراقيين، إن لم اقل الملايين، فالأشجار والمناطق الخضراء هي وسيلة من وسائل الحد من التغيرات المناخية الضارة، سواء بارتفاع درجات الحرارة أو تدنيها، بجانب دورها الآخر في منع “سلخ” التربة والحد من الغبار.
لقد فرضت محكمة جنيف على الملك فهد في الثمانينات من القرن العشرين غرامة كبيرة لقطعه شجرة معمرة في حديقة قصره، وفي محاولة لاسترضاء الرأي العام السويسري تبرع الملك السعودي بمبلغ 400 مليون دولار لزرع الأشجار، ترى ما الذي يقدمه لنا السيد الأمين ومستشاريه وأدوات “قمعه” للحياة الخضراء في بقايا وادي الرافدين؟؟؟ كم سيدفع للدولة مقابل كل شجرة اقتلعها؟!؟
إن مجلس الوزراء ورئيسه السيد محمد شياع السوداني، مطالب باتخاذ قرار بشأن جريمة أمانة بغداد، ليكون هذا القرار تحذيراً قاطعاً لكل من يتجرأ على بقايا المناطق الخضراء والأشجار، ومثل هذه العقوبة تشكل رادعاً لمن ينًظرون فيما لا يعرفون، أو لا يدركون طبيعة الكارثة التي تهدد العالم عموماً، واغلب البلدان العربية وجوارها خصوصاً، نتيجة الجفاف والتصحر، اللذين يزيدان من الاحتباس الحراري، الذي تدفع به الدول الصناعية نحو الغليان.
إن إقالة مسؤولين كبار في الأمانة والجهات التي تستسهل تحويل المناطق الزراعية إلى سكنية هو درس قد يتعلم منه صغارنا وكبارنا الكثير، بشأن سبل التعامل مع المناطق الخضراء والأشجار، وهو درس ملح عسى يستجيب له مجلس الوزراء ورئيسة الطامح في ان تكون ولايته لمسة واضحة في محاولة استرجاع بعض معالم حياة عراقية طيبة استهدفتها الشمولية بحروبها العبثية وسياسة القمع التي جففت الأهوار وغلظت قلوب البعض في معامل الإنسان والطبيعة.
المطلوب أن يكون شعارنا المكمل لـ “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” هو “قطع الأعناق ولا قطع الأشجار” فهي ضمانة رئيس للحياة مع الرزق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *