كتب…. علاء الخطيب
لم تكن النجف حاضرة العلم والأدب والثقافة فحسب بل كانت حاضنة الصحافة العربية الحرة ، ربما يجد البعض غلواً في هذا القول ويعترض على كلمة ( الصحافة العربية الحرة) ، وهناك صحف صدرت في مدن عراقية سبقت النجف كبغداد في عام 1869, والموصل التي شهدت صدور صحيفة الزوراء عام 1885 ومجلة أكليل الورد، في العام 1902 . وصدرت كذلك الزوراء في البصرة عام 1889 ، كما صدرت في بغداد ايضاً عام 1908 و 1909 صحف حزبية ، إلا ان الصحف المذكوره كانت روحها و لغتها الاولى التركية بالاضافة الى كونها لسان حال الدولة العثمانية وأحزابها .
اما النجف فقد انفردت بإصدارها مجلة العلم عام 1910 التي اشرف عليها رجل الإصلاح السيد هبة الدين الشهرستاني وهي اول مجلة عراقية عربية ، ثم صدرت صحيفة النجف عام 1910 وكانت عربية الروح واللغة ورأس تحريرها السيد مسلم زوين والى جانب ذلك صدرت الغري ودرة النجف والاعتدال والحيرة والحوزة والاستقلال والدليل والصباح التي رأس تحريرها محمد رضا الحساني ، ثم رأس تحريرها شاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم صاحب أشهر قصيدة اعتراض على سياسة الحكومة العراقية انذاك وهي ( أين حقي ) … والقائمة تطول .
استمرت الصحافة في النجف بالتفاعل والحضور ، والوقوف بوجه الجهل والتخلف وموجات النكوص الحضاري وأصدرت العديد من الصحف والمجلات المتنوعة ، كما برزت اسماء صحفية كبيرة كان لها دور مهم في تاريخ الصحافة العراقية والعربية .
وقد ساعد النجف في هذا الدور أنديتها الأدبية التي كانت تسمى بالمجالس النجفية وبيئتها الثقافية من شعراء وأدباء وكتاب ، ومجالسها العلمية التي ضمت جهابذة اهل العلم الكبار الذين شجعوا على قراءة الصحف والمجلات كالميرزا محمد كاظم الاخوند.
ففي مقدمة من برز في مجال الصحافة الاستاذ يوسف رجيب فارس المقالة السياسية كان يقول : (للحرية ثمن هو الجرح والجوع والشهادة وانا من هؤلاء..)، أصدر في العام 1925 جريدة النجف وهي جريدة سياسية تنتقد الوضع بشكل لاذع ، كتب فيها مقالات أحرجت حكومة نوري السعيد ،فسجن على اثرها وبعد خروجه عرضت عليه المناصب فرفضها و التقى نوري السعيد فقال له :
يوسف انت قدير وكفء فلماذا ترفض المنصب الرفيع
ابتسم بانفعال: (باشا.. الحرية لا تجتمع مع المنصب الرفيع..) وظل يطوي صفحة واخري من جهاده الصحفي حتي نهشه السل في مصحات (ظهر الباشق) في لبنان وهو يكتب وصيته الاخيرة: (دعوني احرر جسدي من الماساة، وقولوا لشعبي اني حزنت فامنت، وامنت فحزنت…!).
لكن النجف الولَّادة التي ودعت يوسف رجيب على البعد استقبلت صحفي شاب متحمس هو رائد القصة العراقية القصيرة الاستاذ جعفر الخليلي الذي اصدر جريدة الراعي عام 1932 وجريدة الهاتف عام 1935 التي كانت بمثابة منتدى ثقافي تتحاور فيه الأفكار والاعمال الإبداعية على الورق . تابع الخليلي عمله الصحفي وانتقل الى بغداد ، فكتب تاريخاً لشخصيات ورموز عراقية بطريقة مميزة بأجزاء عدة اسماه ( هكذا عرفتهم ) ثم انتقل الى دبي وتوفي بعيداً عن وطنه عام 1985.
ثم أنجبت النجف شاعر العرب الأكبر واحد اهم اعلامها المميزين ، الذي اعتبر اخر العمالقة ، الشاعر والصحفي محمد مهدي الجواهري الذي اصدر جريدة الفرات عام 1931 وأعقبها بجريدة الانقلاب التي سميت بجريدة الرأي العام بعد فشل انقلاب بكر صدقي .
وفِي عام 1959 انتخب الجواهري كأول نقيب للصحفيين العراقيين ، كان الجواهري شاعراً وطنياً متحمساً ترك لنا ارثاً كبيراً ، هاجر من العراق يحمل حب وطنه ، ومات على الكراهة مفارقاً دجلة الخير في دمشق وعيناه ترنو الى بغداد وتحن روحه الى النجف .
المفارقة الكبيرة في أعلام الصحافة النجفية الثلاثة انهم اشتركوا جميعهم في الموت بعيداً عن مدينتهم التي عشقوها وتوزعت اجسادهم بين بيروت ودبي ودمشق .واليوم اذ تحتفي نقابة الصحفيين في النجف في عيدها التاسع بعد المائة بقامات كبيرة في عالم الصحافة والاعلام ، لهو دليل الوفاء والتواصل والعرفان بجميل ما اسدوه فرسان الحرية والصدق للكلمة وللصحافة العراقية .
.
علاء الخطيب
اما النجف فقد انفردت بإصدارها مجلة العلم عام 1910 التي اشرف عليها رجل الإصلاح السيد هبة الدين الشهرستاني وهي اول مجلة عراقية عربية ، ثم صدرت صحيفة النجف عام 1910 وكانت عربية الروح واللغة ورأس تحريرها السيد مسلم زوين والى جانب ذلك صدرت الغري ودرة النجف والاعتدال والحيرة والحوزة والاستقلال والدليل والصباح التي رأس تحريرها محمد رضا الحساني ، ثم رأس تحريرها شاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم صاحب أشهر قصيدة اعتراض على سياسة الحكومة العراقية انذاك وهي ( أين حقي ) … والقائمة تطول .
استمرت الصحافة في النجف بالتفاعل والحضور ، والوقوف بوجه الجهل والتخلف وموجات النكوص الحضاري وأصدرت العديد من الصحف والمجلات المتنوعة ، كما برزت اسماء صحفية كبيرة كان لها دور مهم في تاريخ الصحافة العراقية والعربية .
وقد ساعد النجف في هذا الدور أنديتها الأدبية التي كانت تسمى بالمجالس النجفية وبيئتها الثقافية من شعراء وأدباء وكتاب ، ومجالسها العلمية التي ضمت جهابذة اهل العلم الكبار الذين شجعوا على قراءة الصحف والمجلات كالميرزا محمد كاظم الاخوند.
ففي مقدمة من برز في مجال الصحافة الاستاذ يوسف رجيب فارس المقالة السياسية كان يقول : (للحرية ثمن هو الجرح والجوع والشهادة وانا من هؤلاء..)، أصدر في العام 1925 جريدة النجف وهي جريدة سياسية تنتقد الوضع بشكل لاذع ، كتب فيها مقالات أحرجت حكومة نوري السعيد ،فسجن على اثرها وبعد خروجه عرضت عليه المناصب فرفضها و التقى نوري السعيد فقال له :
يوسف انت قدير وكفء فلماذا ترفض المنصب الرفيع
ابتسم بانفعال: (باشا.. الحرية لا تجتمع مع المنصب الرفيع..) وظل يطوي صفحة واخري من جهاده الصحفي حتي نهشه السل في مصحات (ظهر الباشق) في لبنان وهو يكتب وصيته الاخيرة: (دعوني احرر جسدي من الماساة، وقولوا لشعبي اني حزنت فامنت، وامنت فحزنت…!).
لكن النجف الولَّادة التي ودعت يوسف رجيب على البعد استقبلت صحفي شاب متحمس هو رائد القصة العراقية القصيرة الاستاذ جعفر الخليلي الذي اصدر جريدة الراعي عام 1932 وجريدة الهاتف عام 1935 التي كانت بمثابة منتدى ثقافي تتحاور فيه الأفكار والاعمال الإبداعية على الورق . تابع الخليلي عمله الصحفي وانتقل الى بغداد ، فكتب تاريخاً لشخصيات ورموز عراقية بطريقة مميزة بأجزاء عدة اسماه ( هكذا عرفتهم ) ثم انتقل الى دبي وتوفي بعيداً عن وطنه عام 1985.
ثم أنجبت النجف شاعر العرب الأكبر واحد اهم اعلامها المميزين ، الذي اعتبر اخر العمالقة ، الشاعر والصحفي محمد مهدي الجواهري الذي اصدر جريدة الفرات عام 1931 وأعقبها بجريدة الانقلاب التي سميت بجريدة الرأي العام بعد فشل انقلاب بكر صدقي .
وفِي عام 1959 انتخب الجواهري كأول نقيب للصحفيين العراقيين ، كان الجواهري شاعراً وطنياً متحمساً ترك لنا ارثاً كبيراً ، هاجر من العراق يحمل حب وطنه ، ومات على الكراهة مفارقاً دجلة الخير في دمشق وعيناه ترنو الى بغداد وتحن روحه الى النجف .
المفارقة الكبيرة في أعلام الصحافة النجفية الثلاثة انهم اشتركوا جميعهم في الموت بعيداً عن مدينتهم التي عشقوها وتوزعت اجسادهم بين بيروت ودبي ودمشق .واليوم اذ تحتفي نقابة الصحفيين في النجف في عيدها التاسع بعد المائة بقامات كبيرة في عالم الصحافة والاعلام ، لهو دليل الوفاء والتواصل والعرفان بجميل ما اسدوه فرسان الحرية والصدق للكلمة وللصحافة العراقية .
.
علاء الخطيب