د. رقيق عبدالله كاتب ومفكر جزائري
استاذ علم الاجتماع السياسي
لقد كتب فريدريك هيغل “ان العقل يجمع الناس والفهم يفرقهم” لقد رحل تورين مع الغسق كطائر المنيرفا محلقا يتأمل شروط وجود المجتمع الحديث وإمكانية التوافق بين الازمة والقطيعة الصراع وجاذبية الفعل رافضا سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين، هذا الفعل الذي من خلاله يتموضع التنظيم الاجتماعي والثقافي الحديث، لقد نقل توران السوسيولوجيا من كونها كيفية فهم النظام الاجتماعي كما رسخ لها فيبر إلى الانطلاق الفاعل والنضال الدائم والمستمر ضد افكار المدرسة الوضعية الزائفة للنظام الاجتماعي القائم وخطاباته التبريرية لعلمائها ومفكريها من ارث أوغست كونت إلى إميل دوركهايم، ودراستهم للظواهر الاجتماعية بوعي خارجي واستقلالية وجود الظاهرة عن الأفراد وقوة إلزاميتها وقهريتها عليهم، فالمجتمع والدولة هما الآلهة الجديدة للهيمنة عند دوركهايم على مجموع الفاعلين.
فمهمة علم الاجتماع في وضعه الحديث عند توران تتمثل في تحليل حركية الفعل وغاياته المستمرة. لقد رفض توران تلك الفلسفات الاجتماعية التي عبثت بالتحليل المفسر للظاهرة الاجتماعية عبر الادوات والمهارات وبمبدأ غير اجتماعي من الوصاية الإلهية، القانون، والحاجات الطبيعية. لقد رفض أن يكون الصليب رمزا وطنيا تستعمر من أجله الشعوب، لقدقاوم في انفراد متعب اشكاليات العلماوية الفرنسية بحجة العلمانية والتي اعتبرت بأن المجتمع غير مرتبط بإرادة الفاعل. فقدم توران مصطلح التاريخانية الدال على المعنى الذي يتبناه الفعل عند الفاعل. باعتباره فعل تاريخي، يخضع للتوجهات الكبرى ونسقية الفعل، لم يلغي التناقضات والصراعات الاجتماعية المحركة لمجموع الفاعلين داخل المجتمع. وان أي فعل هو موجه ثقافيا و التصارع الاجتماعي يقوم به فاعل يتميز بالسيطرة من خلال وضعه التابع للتاريخانية فالحركات الاجتماعية عند الان توران تحرر الذات من السيطرة التي يمارسها النظام الاجتماعي على الفرد عبر تغيير العالم عن طريق العقل، التقنية والتقدم،
كان توران رافضا للسوسيولوجيا التقليدية واعتبرها نمطا خاصا لتطابق النسق الاجتماعي مع الدولة القومية ومركزية المؤسسة وتحديد مستوى المشاركة الاجتماعية عبر دلائل إحصائية فاقدة للمعنى.
وابدع توران في جعل السوسيولوجيا تجسد ذاتها كعلم وممارسة والتزام لأنها تملك مسمى “المعرفة النضالية” إنها كما يقول “السوسيولوجيا علم للتحرر من آليات الهيمنة بكل تلاوينها وأشكالها المادية والمعنوية”
فلا يمكن للفرد ان يكون ذاتا فاعلة إلا حينما يؤمن بقوته وتفرده على الفعل من خلال تحرير نفسه من كل أشكال التحكم التي يمارسها المجتمع المبرمج وفق الهيمنة و بؤس الرأسمالية المضارباتية المعادية للمجتمع.
لقد ناضل توران ورحل من أجل موقف يعيد الاعتبار للذات الإنسانية وبعدها الكوني وحقوقها الطبيعية التي تستهلك من قبل نظام عالمي متوحش يضع المجتمعات تحت الهيمنة بين الازمة والقطيعة.