الاستاذ الدكتور نديم الجابري
ممكن ان نستنبط جملة من الدلالات التي مثلها فوز الرئيس التركي أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٢٣ منها :
١ -ارتكز في دعايته الانتخابية على أطروحة الاسلام السياسي التي تميزت كثيرا عن الاطروحات التقليدية التي درجت عليها قوى الاسلام السياسي لدى العرب و المسلمين منذ عقد الثمانينات . و لعل أهم مميزاتها ما يأتي :
أ – تمسك أردوغان باطروحة الاسلام السياسي التي جعلت من القرآن و العقل و المنجز محورا لها . و بذلك ابتعدت عن النزعات السردية التي تخاطب العاطفة و الغريزة .
ب – تمسك كذلك بأطروحة الاسلام السياسي المتنور الذي يمازج ما بين الأصالة و الحداثة بخلاف ما درج عليه الاسلام السياسي التقليدي الذي بقي يدور حول نفسه بدون مراجعة أو تحديث .
ج – تمسك باطروحة الاسلام السياسي التي تعتمد على شرعية الانجاز دون غيره ، مبتعدا بذلك عن السلوك السياسي الاسلامي التقليدي الذي يعتمد لغة الشعارات ، و الادعاءات، و الموروث الديني من طقوس و تقاليد لا تمت للسياسة و الدين بصلة .
٢ – و بهذه الرؤية يمكن القول أن فوز الرئيس أردوغان بالرئاسة مثل ضربة موجعة للاطروحة الغربية الليبرالية المتوحشة التي حشدت جهودها من أجل هزيمة أردوغان لكن جهودها باءت بالفشل .
٣ – مثل فوز أردوغان انتصارا للوطنية التركية التي تمسك بها الشعب التركي في مقابل النزعات الأممية التي ركز عليها منافسه ( أوغلو ) مدعما من الغرب بذريعة الانفتاح و العولمة و الحداثة .
٤ – أكد فوز الرئيس أردوغان على إمكانية بناء تجربة ديمقراطية ناجحة في ظل حكم الاسلام السياسي المتنور حصرا . و ربما يمكن احتساب نسبة المشاركة في الانتخابات دليلا على ذلك . حيث تجاوزت نسبة المشاركة في الانتخابات في الجولة الأولى اكثر من ٩٠ % و في الجولة الثانية أكثر من ٨٥ % .
٥ – ان فوز الرئيس أردوغان ربما سبترتب عليها تغيرات نسبية في علاقات تركيا الخارجية و في سياستها الدولية . اذ من المتوقع انها سوف تبتعد نسبيا و بحذر عن الولايات المتحدة الأمريكية مع ابقاء خطوط مفتوحة معها من أجل عدم استعدائها كونها أحد أقطاب النظام الدولي الجديد . و ربما يقترن هذا التوجه الخارجي بسياسة الاقتراب من روسيا و الصين بوصفهما قطبي النظام الدولي الجدد . و ربما تلعب دورا في تسوية الحرب الروسية – الأوكرانية بالتعاون مع الصين و المملكة العربية السعودية . و اذا ما نجحت في هذه الخطوة فأنها ستؤسس لنظام دولي جديد متعدد الاقطاب ، خصوصا اذا انفتحت على العرب و قضاياهم بشكل أكبر بوصفهم يمتلكون قدرات القطب الدولي الرابع .
٦ – أن فوز أردوغان في انتخابات الرئاسة بما يحمله من فكر سياسي قريب من توجهات الحكومة العراقية برئاسة السيد محمد شياع السوداني ربما يفضي الى تفعيل علاقاتها مع العراق اذا ما تم التفاهم بين البلدين وفق سياسة المنفعة المتبادلة و التي ترتكز على جملة من الأسس منها :
أ – تلبية حاجات تركيا الأمنية خصوصا في ما يتعلق بملف حزب العمال الكردستاني .
ب – تلبية حاجات العراق الأمنية خصوصا في ما يتعلق بملف الأمن المائي الذي يمثل تحديا أمنيا و اقتصاديا ملحا للعراق .
و كل ذلك سيعتمد على حسن النوايا ، و مهارة الوفود المفاوضة ، فضلا عن قراءة المشهد الدولي الراهن بعناية ، و ادراك حساسية منطقة الشرق الأوسط المهددة بهويتها و مصالحها .