كرار الكردي

اثار محامو المجرم صدام حسين وباقي المتهمين في حينها الدفع امام المحكمة الجنائية العراقية العليا بأن قانونها قد خالف مبادئ اساسية للقانون الجنائي في محاولة منهم لجعل المحاكمة دولية حسب مصادر مطلعة ، لكن المحكمة وبمساعدة كبيرة من الحكومة العراقية والتحالف الدولي اصرت على جعل المحكمة محكمة وطنية لسرعة اجرائاتها قياساً مع المحكمة الجنائية الدولية ولتطبيق الجزاء القانوني بشكل يتلائم والجرائم التي ارتكبها المجرمون .
اما في الوقت الراهن فكثيراً ما تثار الأسئلة حول امكانية مثول مجرمي العراق للقضاء الدولي .
كثيراً ما يخلط الناس بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية او كما تسمى بالمحكمة الدولية وهذا غير صحيح لان وظيفة محكمة العدل الدولية هي الفصل في المنازعات التي تكون بين (الدول)، اما المحكمة الجنائية الدولية فهي تقوم بمحاكمة (الاشخاص)المسؤولين عن ارتكاب الجرائم . ان المحكمة الجنائية الدولية تأسست بموجب نظام روما الأساسي الذي نظم اختصاص المحكمة واسلوب عملها ، وبذلك تأسست اول محكمة جنائية دولية دائمة بعد جهود استمرت عقوداً من قبل الجماعة الدولية لتدخل المحكمة حيز التنفيذ في 1 يونيو 2001 ومقرها في لاهاي بهولندا .
ان المحكمة الجنائية الدولية تنظر في جرائم دولية محددة وضعها نظام روما الأساسي وهي جرائم الحرب ،وجرائم الأبادة الجماعية ،والجرائم ضد الأنسانية ،وجرائم العدوان فقط ،كما ان هذه الجرائم اوضحها بالتفصيل نظام روما الأساسي لكي لا يشوبها اي التباس او ابهام ،اذ يجب تحديد فيما اذا وقعت احدى هذه الجرائم في العراق ،
ولان العراق من الدول غير الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية لذا ليس من صلاحية المحكمة الجنائية الدولية التدخل في الدول غير الأطراف فيها ، فاختصاصها لا يمتد من حيث الأصل، إلا للجرائم المرتكبة على أقاليم الدول المنضمة إليها، واذا ارادت الحكومة العراقية الانضمام لها بعد ان سحبت توقيعها من المحكمة ابان حكومة اياد علاوي فأن المحكمة سوف تنظر في الجرائم التي سوف تحدث بعد انضمام الدولة الجديدة اليها ، اي ان اختصاص المحكمة يتلائم مع قاعدة عدم سريان القانون بأثر رجعي ، فأختصاص المحكمة هو اختصاص مستقبلي فقط ، في حين ان الساحة العربية خالية من الانظمام للمحكمة عدا الأردن وفلسطين وجيبوتي وتونس .
لكن هناك استثناء اشارت اليه المادة 12 من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يكمن في اعطاء صلاحية لمجلس الأمن الدولي لتقديم مذكرة للمحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهذا القرار ضعيف الحصول اذ يجب ان يصدر بموافقة تسعة اعضاء من اصل 15 عضو ، شرط موافقة جميع الدول الخمس الدائمة العضوية ،ومن المؤكد ان هذا القرار سوف يتم اجهاضه اذا استخدمت احدى الدول الخمس حق الفيتو ، اضف الى ان الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين
ليسوا من الدول الأطراف في المحكمة وهم من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ، وقد حصل ذلك في الملف السوري
حينما تقدمت سويسرا برسالة لمجلس الأمن بتاريخ 14 يناير/2013 إلى مجلس الأمن وعليها تواقيع 58 دولة تطالب أعضاء المجلس باعتماد قرار يحيل شخصيات كبرى في الحكومة السورية والمعارضة تم توثيق ارتكابهم لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الجنائية الدولية ،لكن المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي شوركين آنذاك، استخدم حق النقض الفيتو وأطاح بمشروع القرار .

ومن جانب آخر فأن مجلس الأمن الدولي قد نجح في تقديم مذكرة للمجلس تخص السودان التي تعتبر دولة غير عضو في المحكمة الجنائية الدولية بسبب انتهاكات وفضائع قامت بها ميليشيا الجنجويد بمساندة الرئيس السابق للسودان عمر البشير في دارفور حيث فتحت المحكمة تحقيقاً عام 2005 وكانت هذه اول احالة من هذا النوع ارتكبتها الحكومة بمساعدة الميليشيات المتحالفة معها وذلك بعد مرور 18 عام من ارتكابها وهي فرصة نادرة طال انتظارها للشعب السوداني حينما قدمت الى مجلس الأمن الدولي ، رغم الحاجة الملحة لأحالات اخرى نظراً لخطورة الجرائم المرتكبة في الدول التي لم تنظم بعد للمحكمة مثل العراق وسوريا اذ لم يتحرك المجلس لأعتبارات سياسية ونتيجة للمعوقات العنيدة والمستمرة التي تواجه جهود القضاء الوطني والدولي على حد سواء وبسبب ضعف الإرادة السياسية المحدودة جدا في العراق لملاحقة المسؤولين الحكوميين السابقين والتي لا تصب في المصالح المحلية وحتى الدولية منها ، كما تتطلب الملاحقات القضائية جهوداً استثنائية وقدراً كبيراً من الدعم لاسيما فيما يخص محاسبة الجناة رفيعي المستوى ،لذا لا نتوقع مثول كثير من مجرمي العراق و سوريا أو أوكرانيا أو إسرائيل أو أفغانستان غداً أو بعد غد إلا بتوافق دولي وارادة سياسية قوية وهو أمر بعيد المنال لكنه ليس بالمستحيل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *