كتب : علاء الخطيب

‎ التطرف ثقافة وطريقة تفكير لا تختص بمجموعة دون غيرها ، بل يمكن ان تنتقل عدواه الى أي شخص. فقد أصبح بحكم الفايروس الذي يصيب البشر ، ولا يكاد شخص في منطقتنا على وجه التحديد ينجو من هذا الفايروس وإن إدعى بخلو عقله منه أو تظاهر وتمشدق بالاعتدال والوسطية،
‎البعض يعتقد إن التطرف ماركة مسجلة للمؤدلجين بأنواعهم المختلفة ، بينما الواقع يظهر لنا ان التطرف لا يصيبن الذين تأدلجوا منا خاصة .
‎ثمة من يتطرف في الدين وآخر يتطرف ضد الدين ، وهناك معركة مستمرة بين المتطرفين ، لكن ثمة من يعتقد ان المعركة الدائرة اليوم بين الاعتدال والتطرف . الواقع ان المسألة ليست هكذا بل المعركة بين التطرف والتطرف ، والطرفان يجهلان إنهما يجهلان ويتمتعان بجهل مركب لذا المتطرف من أكثر الناس جهلا، لكن يحسب نفسه من أعلم الناس وتلك مصيبة .
‎ المتطرفين ينظرون دائماً الى البقعة السوداء في الثوب الأبيض ،وهي طريقة سوداوية في التفكير ناتجة عن مرض نفسي. فالمتطرف يعيش حالة من القلق والإضطراب النفسي، لذا لا يمكن أن يرى الاشياء بايجابية ، فمثلاً :
‎ يترك المتطرف العلماني الكم الهائل من النزعة الانسانية في الفكر الديني ويركز على الشواذ ، وهو يعتقد ان نقده مبني على أساسِ حججٍ منطقيةٍ ونقدٍ مستنير ، وكأن مهمة المدني ان ينبش التاريخ، ويبحث عن ( حبوب البطيخ ) .
‎كذلك يفعل المتطرف الديني الذي يهمل كل حسنات العلمانية والمدنية ويركز على سلبياتها، وهو يعتقد ان نقده وتطرفة ضد العلمانية مبني على أساس رضى الله والسير في طريق العقيدة ، هذه النزعة العدوانية لدى المتطرفين هي التي اوصلت مجتمعنا الانساني الى الحضيض ، فليس لدى المتطرف العلماني أو الديني أي اهمية لاستفزاز المجتمع وتدميره , فليذهب الجميع الى الجحيم مادام هو وما يعتقده سالماً ، ما يريده المتطرفون هو أن يقولوا نحن هنا فقط ، البعض من العلمانيين يريد أن يحتكر الحقيقة ويحركها كيفما يريد وهو لا يختلف عن شقيقه الديني . فالشغل الشاغل للبعض ان يستفز المجتمع بأفكاره وطروحاته . يشجعه على ذلك حفنة من المرضى الذين يسعون لإثبات صحة افكارهم .
‎فلو تسائلنا :
‎ ماذا يعني ان تكون مدنياً ؟
‎ وماذا يعني ان تكون متديناً ؟
‎ربما هذا هو السؤال الاصعب والاهم في. هذا الصراع الدائر بين الطرفين .
‎ المدني والعلماني هو من يتقبل الاخر كما هو و أن يحترم عقائد الاخرين مادموا يحترمونها، كما ان المدني هو الشخص الذي يبتعد عن الاعمال العدائية او المستفزة للشارع العام ويحترم حقوق الانسان في حرية الرأي. والعقيدة ، فمن اهم مباديء المدنية عدم رفض الدين او معاداته، فالمدنية ترفض استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية ولا ترفض الدين . لكن للاسف ما نراه اليوم هو ان المدني هو من يهاجم الدين ويرفض الاخر .
‎ربما التمس العذر للمتدين في رفضه العلمانية والمدنية لجهله او تظليله أو لكونه يحمل مطلقات في عقله لا يمكن تجاوزها ، ولكن كيف التمس العذر للمدني المتطرف الذي يتمشدق بحقوق الانسان و يبشر بالتنوع واحترام الرأي الاخر وهو يمارس الإقصاء ورفض الاخر .
‎وكيف نبرر للمتدين هو الاخر ، و هو الشخص الذي يشعر بالراحة والطمأنينة الروحية لاتصاله بالسماء، وهو المتخلق باخلاق الرسالات السماوية ، التي تدعو الى مكارم الاخلاق والتواصل مع الاخرين بالحكمة والموعظة الحسنة كما يدعي ، لكن للاسف تجده بالعكس تماماً ، فهو بعيد عما يبشر به من مُثل.

‎بالتأكيد هناك خلل فكري عميق في فهم المدنية والعلمانية والتدين معاً ، هذا الخلل أنتج شيزوفرينا اجتماعية أجهزت على كل عناصر الجمال والحب والخير في مجتمعاتنا ، وبات التقاطع المقرون برفض الاخر السمة الابرز والكراهية عنوان لكثير ممن يحسبون على العلمانين او المتدينين. وكأنهم رفعوا شعار أنا متطرف إذاً أنا موجود.
‎علاء الخطيب

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *