امير الخطيب

كتب / امير خطيب

اعتقد بان الصراع الفكري الذي دار بعد الحرب العالمية الثانية بين القوتين العظمتين حينها، الشرقية والغربيه، اعني الفكر الرئسمالي والفكر الاشتراكي، انعكس بشكل كبير علي المنتجات الفكرية للادب، الفن وحتي سلوك السوق، اعني ما يخص المأكل والملبس وطرق تزين المنازل والمحلات وما الي ذلك.

هذا الصراع وكنتيجة طبيعية ادي الي تغير مضامين كثيرة في الفكر ناهيك عن تغير الاشكال التي احدثت صدمة لكل متلقي بمافيهم المتلقي “الشرقي” . فصرعة مثل المينيجوب تبناها الشارع في موسكو واخذها دون ادني تفكير لغرض الاخر، ولأن الرأسمالية نشرتها كتطور ونبذ التخلف والرجعية وما الي ذلك من شعارات،في حين انها غيرت في مفهوم مهم لم يلحظه اي من المفكرين او المنظرين الماركسيين بل كل المفكرين الاشتراكيين التغير الذي حدث لم يكن وليد حاجة السوق حسب انما كان حاجة ملحة للافكار النفعية العملية او البراجماتيه، ولان البراجماتية هي فلسفة رأسمالية فان لها حاجات كثيرة غير متاناهية في ما يخص السوق والتسويق والهيمنه واحلال مبادئ النفع والاستهلاك محل مبادئ كانت الاشتراكية تنادي بها حتي سقوط اكبر قلاعها في الاتحاد السوفياتي هذه المبادئ التي كانت تبحث جديا في معاني الكلمات لا بملأ الفراغات، ولكن شتان بين مانفكر وما نفعل

فبحث فناني ومفكري الرأسماليه التي قادت العالم من حرب ساخنه الي حرب باردة دامت قراية الاربعين عام وكان اولائك الفنانين والمثقفين جادين في بحوثهم وعلي كل المستويات انطلاقا من شكل الاستعراض الذي حدث الي الموسيقي مثلا وكذلك الي شكل المتحف الذي حصل مع متاحف الفن المعاصر مركز البامبيدو في باريس ومتحف الموما في نيويورك وغيرها وصولا الي معاني الكلمات واستبدال المصطلحات بما يتناسب والتفكير البراجماتي الذي يجب ان يسيطر فيما بعد علي عموم الكرة الارضية.

فبدلا من ان يشرح/يعرف المفكر/الفنان كلمة “المعني” استبدل هذا المصطلح لتكون الكلمة “مفهوم” وبالتاكيد فان كلمة معني لها دلاله مختلفة عن كلمة مفهوم،فالمعني جاءت من الفعل عني اي قصد وهذا القصد له دلاله الفعل نفسي اي انه يرسم اشياء في الذهن محددة ومقصودة، بينما كلمة المفهوم لها دلاله الفعل فهم فانه بالضرورة مختلف في دلالاته وفعله ايضا ففهمك انت قد يكون مختلف عن فهم صديق او اخ لك، ويكون في الذهن شكل او شئ غير محدد ومقصود، فلكل منا فهمه ولكل منا قصد يخلقة الفرد من خلال فهمهفن الواقعية الاشتراكية او هكذا كان يسمي كفرز عن الواقعية الغربية اعني واقعية بلزاك وبقية الواقعيين الغربين كان بحث واسع في المعني ونظر الكثير من نقاد الفن في الاتحاد السوفياتي السابق لمعاني ذالك الفن ومقاصد الفنان الواعية والغير واعية واكثر من نظر الي هذا هو الناقد السوفياتي سريجي جيرمان، فكان في كل مقال نقدي يورد كلمة معني اكثر من مرات ويؤكد علي المعني، باعتقادي كان الرجل الي حد كبير متناغم مع الفلسفة التي تدير البلاد.

ولكن كيف لنا ان نفهم المعني من خلال الاستهلاك، من خلال النفع العملي، من خلال حاجة السوق، من خلال تسويق الفن وجعله خبزا يوميا، او مستهلكا يوميا علي حد تعبير اندي وارهول، فقد يبدو من السخف او شئ مضحك ان نقنع جمهورنا بان المعني العميق وراء رسم القميص او التيشيرت او حتي كوب القهوة هو الابقي.
لهذا استعاضت الافكار الرأسمالية كلمة المعني كمصطلح بمصطلح اخر وهو كلمة مفهوم، فقد تبدوا كلمة مفهوم قريبه من الفهم الذي غالبا ما يكون غير مكتمل، بينما كلمة معني تشير بل ترغمنا احيانا علي انها كلمة مكتمله لا حاجة او امكانية لنقاشها، علي هذا الاساس نظر النقاد في الغرب الي قضية المفهوم وتوصلوا الي اشياء كثيرة في بحثهم عن المفاهيم وعن المفاهيمية فمصطلح مفهوم ومن ثم المفاهيمية اصبح سلعة متداوله بين المثقفين والمفكرين في عموم الغرب ابان مرحلة الستينيات ونهاية السبعينيات.

فالفنان هو الاخر حاول بكل ما اوتي من طاقة فكرية ان يرسخ هذه المفاهيم وبوعي كامل لا كونه مزين وعامل ديكور بل باعتبارة منتجا فكريا تنعكس عندة الحاجات الفكرية لبلدة بشكل متناغم، ومن ثم لمنظومته الفكرية التي كانت ولا تزال سائدة في الغرب، ولان الغرب ينتظم بمنظومة فكرية واحدة لذا لا نجد شذوذا او زوغان عن الخط الفكري لمعظم الفنانين الكبار، هنا اعني الذين يعون اللعبة الفكرية لا عمال وكسبة الفن الكثير من الفنانين الغربيين/العالميين اشتغلوا علي هذه المفاهيم اي انهم اعطوا في اعمالهم الفنية مفاهيم، مارسيل دوشامب مثلا، حين عرض تواليت تبول رجالي لاول مرة كعمل فني، استهجنه الجمهور وراح يقذفه بالذع الشتائم والكلمات الصعبة لكنه طرح مفهوم او بعبارة اخرى فلسفة لم يفهمها معظم المتلقين الاوليين، فهو لم يطرح عملا بالمعني التقليدي اي اللوحة المسندية التي تتألف من اربعة خشبات/اطارات ثني عليها خامة الجنفاص وحظرت بتحضير خاص من بياض البيض وما الي ذلك بل انه جاء بمفهوم ينقل المتلقي من حالةالانبهار الحالمة الي حالة الانبهار المنتجة، فقد نري عملا فنيا معاصرا يثير الاشمئزاز او يثير الغضب او حتي نصرخ احيانا ونقول :هل هذا فن؟ ولكن وفي اغلب الحالات تكون قرائتنا غير كافية، مستعجلة غير متأنية، قراءة تريد معني، او تبحث عن معني لاننا تربينا علي معاني ولم نتعرف علي المفاهيم، فبندقية الشهيد الذي رسمها الرسام صوب جهة العدو فيها من المعاني مايكفي لذائقتنا ما يسد حاجتنا الفكرية وتجربتنا الفكرية معا حين عرض الفنان الانكليزي من اصل هندي انيش كابور عمله الضخم في مدينة شيكاغو الموسوم “مرآة السماء” تقبله الجمهور بكل عفوية وبكل فهم عميق، فقد يشاهدة مشاهد عادي منّا وربما لا يفهمه، انا لا اعتقد بان العيب في العمل بل العيب في استقبال العمل، ومن ثم الفهم الصحيح للعمل، وكذلك حين عرض الفنان الالماني عمله الشهير “هذه المانيا” وقصد بها بعد الحرب العالمية الثانية، فعرض طابوق مهشم جلبة من عمارةقرب بيتهم، كانوا قد هدوا تلك العمار، فوقع الطابوق ببقايا الجص والاسمنت وما لي غيرة، جلبه الي المتحف ونشرة في صالة/غرفة مستقله وكنب علي الجدار هذه المانيا.

الفنان هنا لم يستعمل ادواته التقليدية بل كون/ ركب من اشياء جمعها وفكر بان يكون منها عملا فنيا هذا العمل يكوّن مفهوما عند المتلقي، اتذكر سنة 1998 افتتح في مدينة هلسنكي عاصمة فنلندا اول متحف للفن المعاصر فعرض المتحف جل اعماله من الاعمال المفاهيمية التركيبة اثارني عمل لفنان برازيلي لا اتذكر الان اسمه، عمله كان من اروع الاعمال التركيبية التي شاهدتها علي الاطلاق اسم العمل كان برج بابل، والعمل هو عبارة عن اجهزة ستريو وضعها الفنان في دائرة علي الارض ووضع عليها اجهزة اخري وهكذا لتصل حلقات البرج الي دائرة صغير في الاعلي، الضريف بان اجهزة الستيرو/ الراديو هذه جميعها تبث برامج وموسيقة اي جميعها تعمل اصوات وبجميع اللغات.
اعتقد ان المفهوم الذي اوصله الفنان او الصورة او الرساله واضحة للمتلقي، لان قصة التوراة او العهد القديم تقول ان اهل بابل شيدوا برجا ليصلوا الي الله فغب الرب واسقط البرج ووعدهم ان ينشرهم علي كل الارض وان يتكلموا لغات مختلفه بعد ان كانت لهم لغة واحدة.

هذا العمل التركيبي عمل يطرح مفاهيم لا معاني، هذا العمل في طرحة لا يختلف ابدا عن اي عمل اخر في طرح المفاهيم، بالتاكيد ان لا اجرد الاعمال المفاهيمية من المعاني اعني من الرسائل او ما يريد ان يقوله الفنان ولكن في الاعمال التركيبية اختلفت القضية فلم يعد الانسان كسول غير مشارك او مكترث للرسائل التي يريد الفنان قولها كما يحدث في العمل الواقعي، فرسائل العمل الواقعي لا تحتاج الي ولوج ومشاركة في العمل الفني بل تثير اشياء كثيرة عند المتلقي ولكن المتلقي يكتفي بما يثيرة العمل او ربما يعلمه ويترك انطباعاته عنده.

ربما يقول قائل ولكن العمل الواقعي امضي واكثر تاثيرا، ساقول ودون تردد بان لكل زمن افرازاته الفكرية ومع كل نسمة تطور يضطر الانسان ان يترك اشياء وان يستقبل اشيتاء ربما يكون مرغما في اغلب الاحيان ان يستقبلها انها كابنائنا وما يريدون ربما نستطيع ايقاف اولادنا بما يريدون ولاكننا لانستطيع ان نمتلك الاستمرار في كبح جماحهم والي الابد. لانني مؤمن بمقوله رائعة للامام علي بن ابي طالب او ربما نسبت له تقول لاتربوا ابنائكم تربيتكم لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *