كتب رياض الفرطوسي
في سياق عصر التطور الفكري والمعلوماتي،
وظهور مدارس جديدة على نطاق واسع ومختلف.
تأسست ثنائيات متضادة تعتمد على نظرية‘
ان العالم مبني على اطر متباينة ومنها امتد التفكير‘
الى نشوء وعي للاشياء مثل الانغلاق والتحرر‘
اليمين واليسار ‘ الراسمالية والاشتراكية ‘
الطابك والصمون ‘ اللحاف والبطانية .
ضابط الاعاشه وضابط اعلام .
وهكذا انقسم العالم الى اضداد وتيارات‘
ومن هناك تشكل وعي منظم للثنائيات بشكلها البدائي‘
وقد تطور هذا النموذج المعياري في حياتنا‘
السياسية والفكرية والمهنية والتاريخية‘
على مر العصور وترسخت هذه الاطر والمفاهيم‘
في واقعنا واضحت مسلمات لا يمكن تفكيكها‘
ورسمت حدود وذهنية مخيلاتنا.
وهكذا اصبح التعايش مع هذه الثنائيات،
مثلما التعايش مع الاوهام‘
على انها حقائق راسخة حيث تتشكل روابط نفسية‘
تعمل في كلتا الحالتين بنفس الاصرار‘
والقوة والحماس والاندفاع.
من المتعذر بمكان الخروج من هذه الثنائيات‘
الا على نحو شخصي وفردي‘
لأن المجتمع ادمن على ان يبقى حبيس مفاهيمه السائدة‘
من عادات وتقاليد وسلوكيات وتصرفات،
وصعوبة التخلص منها الى فضاءات التفكير الحر والسليم والمتنوع.
يُسجل للحضارة الغربية الحديثة انها انجزت‘
اهم مكتسباتها الحديثة عندما كسرت منطقة الفكر السائد والمتناقض‘
حتى استطاعت من توسيع دائرة التنقيب‘
والبحث والكشف والشك حول كل شي تقريبا‘
بما في ذلك الافكار والعقول والمناهج‘
والتعددية والثورة على نظم تقليدية متحجرة‘
وهكذا استمر الجدل ليأخذ ابعادا اخرى تتعلق بحرية الانسان .
هناك من يضع الناس في خانة التوزيع والتصنيف‘
ويعتبر نفسه هو المصدر الاول للحقيقة‘
ويبدأ يقسم على اساس ثنائي ( لو ابيض لو اسود).
ويعتبر نفسه فيصلاً للصواب‘
والاخر هو الخطأ وياخذ هذه الوصاية والمقدرة والقدرة‘
من منابع ثقافته الرثة والهزيلة والمتصلبة‘
وهي الحالة التي انشأت العدمية الاخلاقية‘
في ميادين الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية،
وعلى هذا الاساس تقلصت رؤية التعدد والتنوع‘
الذي هو سر من اسرار التنوير والتطوير‘
وتلغي المناطق المعتمة والالوان المختلفة والمتنوعة في الحياة.
حتى اضحت هذه الثنائيات محركاً للمجتمع وقوانينه.
هل يتحمل واقعنا هذا النوع من الانتقائية والنزعة الاختزالية‘
بعد كل ما مررنا به من ويلات وثورات‘
وخوازيق وعتمة وقلق وحدود وغربة ومعارضة‘
وطفولة حزينة واصابع مرتعشة ( في رفعة العلم)‘
تنتظر الفلقة من المعلم والجلد
وتكسير الاطراف بالعصي والضرب‘
حتى جاء الانترنت والحداثة والقيم والشياطين والجنة والنار‘
والحرية والديمقراطية واصبحنا بين نارين‘
بين المشعوذ والصريح والغامض والطرطور‘
والعاشق وعريف الصف والملائكي والليبرالي‘
وبين ( حسوني الوسخ ‘ وعلاوي ابو لغد )والتمرد الاخلاقي والاجتماعي.
او بين المناضل والمشبوه وبين التعددية والديمقراطية‘
والعدالة وهيمنة الجهل .
او بين الواشي والصفيق وبين بائع اللبلبي وبائع الوطن.
او بين رئيس فرقة ردح حزبي وبين رئيس نقابة تشليح.
او بين صفقات السياسة وصعقات النخاسة‘
وبين تقسيم العراق وتحطيمه او التطبيع مع اسرائيل‘
وبين ان تكون مع ايران او مع اميركا،
او تكون مع الحشد الشعبي او مع الاحتلال.
ومع الصراع الشيعي الشيعي او مع هدوء جبهة الاقليم السني.
وبين الولاء لقطر او الولاء للسعودية ‘
وهكذا انحسرت البدائل عبر الاعلام المّشوش والمغرض.
بهذا الشكل تم نفي الانسان واستنزافه في خيارات متناقضة‘
مما جعله منقسم ذهنياً وسلوكياً.