د. رقيق عبد الله

ان فهم الواقع وإدراكه عبر ما تعيشه مجتمعاتنا العربية يجعل من مقولة إرنست بلوخ بأن قدر الانسان هو ان يكون خارج الزمن، اي ان نعيش قبل التاريخ او ان نعيش تاريخنا عبر تفكير كنا نفكر فيه ونحن لا ندركه. ان هذا العقل المكون تأخر عبر واقعه لانه عاش في وهم إدراكه للواقع في حين كان يحاول أدراكه فقط، وعاش عبر وعي زائف بنمط انتاج لا يخلو من علاقات اقتصادية مبنية على السيطرة و من علاقات أيديولوجية مبنية على القهر او الترهيب لا العرفان و المحبة، و فقد العقل العربي احترام الذات الفاعلة عبر ذوات الاخرين.
لقد ميز ألتوسير بين العلم و الأيديولوجيا حيث قدم العلم التصورات للسلطة، بل وللعنصرية والإبادة الجماعية أحيانًا. و السلطة لا تعمل إلا ضمن سياق وظيفتها الأيديولوجية، وهي إذ تستخدم مفاهيم علمية، فهي لا تفعل ذلك إلا لصياغة الذات الأيديولوجية ونقد أيديولوجيا السلطة هو الكفيل بتوضيح هذا الالتباس، وتمييز العلم عن الأيديولوجيا. وهي المهمة التي يوكلها ألتوسير إلى الفلسفة بوصفها سلاحًا ثوريًّا أو صراعًا طبقيًّا على مستوى النظرية.
الا ان فوكو طرح وجوب أن نهتم بذواتنا لتصبح ذاتًا أخلاقية للحقيقة عكس ألتوسير.
ان وجوب محبة جارك كما تحب نفسك و تحول الحب الى أمر و الحقيقة ان لا أحد يحتاج إلى أوامر لان احترام الاخر ومحبته مسألة عائدة اليك وحدك فحسب، اما اذا قلت ان عليك ان تحب الاخر يصبح الاخر متضمنا في حبك الذي لا يمكنه الهروب منه، والسؤال ماذا يمكنه أن يصنع ان لم يكن مهتما بحبك، و ماذا تفعل ان كنت مصرا على ان احبك لان ديني طلب مني ذلك !!! الا الهروب.
فعبر المخيال الاجتماعي العربي رُسمت مسلمات لا تخضع للتساؤل فهل الهوية سابقة على الوجود الاجتماعي بالقدر الذي يكون فيه هذا الوجود هو أساس الهوية.
ان جوديث باتلر في كتابها الذات تصف نفسها، قد استعارت عبارة سيمون دي بوفوار.. المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح كذلك …وهو ما يقود إلى التساؤل حول الهوية كيف يمكن الاعتراف برغبتي وكيف تؤسس المعايير لهذه الرغبة وهل يمكنك الاعتراف برغبتك و كيف يتوجَّب عليَّ أن أعامِل الآخر و أنا أقع مباشرة في قبضة مملكة من المعيارية الاجتماعية، ما دام الآخر لا يظهر، ولا يشتغل بوصفه آخر بالنسبة لي، إلا ضمن إطار أستطيع أن أراه و أفهمه، فرغم أني قد أفكر في العلاقة الأخلاقية بوصفها ثنائية، أو بالأحرى سابقة على الاجتماعي، فإني لا أقع في قبضة مجال المعيارية وحسب، ولكن في إشكالية القوة فالقواعد لا تعمل على توجيه سلوكي وحسب ولكنها تقرر النشوء الممكن للقاء بيني وبين الآخر وجوبا.
ان كارل مانهايم حين عرف الأيديولوجيا بأنها نتاج عقلى، وظيفته حجب الطبيعة الحقيقية لمجتمع ما وهى تنبع من عقول الذين يستهدفون تثبيت نظام اجتماعى بعينه. فإن كارل ماركس قد أحيا مفهوم الأيديولوجيا واستخدمه بمعنى الوعى الزائف، الناتج من التكوين الطبقى بهدف ستر التناقضات الطبقية. ولكن غرامشي خلصها من الغموض واللبس وربطها بالبنية الفوقية وفرق فيها بين الاعتباطي والعضوي و ان الإيديولوجيا تنتمي إلى البنية الفوقية ويتعامل معها ككيان مميز ويراهن على قدرتها على تغيير البنيات التحتية. ان تميز الايديولوجيا عند غرامشي في نظري منطقي و ان كان كثير من المثقفين يعتبرونها إداة لتغييب الوعي و ادراك الواقع.
ان الايديولوجيا وجودا و هوية ليست في الحقيقة ايديولوجيا خارج الوعي وانما عبر وعي غير مدرك لما هو مؤمن به رغم إدراكه للفعل الاجتماعي. هنا نستعير من بيتر سلوترجيك مفهومه للايديولوجيا انهم يعرفون تماما ما هم فاعلون ومع ذلك فإنهم يفعلونه. ان الفعل الممارس الغير مدرك للحقائق يخلق منه فرد ذو عقل مكون متقبل للفعل خاضع له فاقد للادراك المتفاعل المنسجم عرفانا و محبة عبر مفهوم تحديد الزمن لا الخروج منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *