رياض الفرطوسي

كتب رياض الفرطوسي
واخيرا غادرت انجيلا ميركل السياسة.
غادرت المنصب وهي لم تحضى بغنيمة دسمة‘
او قصر مرفه في بيروت او دبي او القاهرة.
غادرت ولكن من دون راتب تقاعدي يكفي لمعيشة مدينة كاملة.
غادرت المسؤولية ولم تتشبث بالمنصب‘
او تنصب خيمة عزاء لانها ستفقد امتيازات مفرطة‘
( حمايات وخدم وسيارات ووجاهة وعلاقات ).
غادرت وهي لم تهدد بقية الاحزاب انها‘
سوف تقلب عاليها سافلها لو لم يتم اعادة انتخابها من جديد.
غادرت وهي لم تستغل منصبها في استثمارات‘
او تجارة او شراء فضائيات او شراء ذمم.
غادرت ولم يطلق عليها احد انها سارقة لقوت الشعب.
او تلاعبت بأموال الدولة لمصالح شخصية.
غادرت وهي لم تغلق بابها يوما بوجه مواطن.
غادرت وهي تؤمن بالاختلاف وتمقت التطابق والتشابه.
غادرت وهي لم تترك خلفها العار والفضائح والفشل.
غادرت وليس في رقبتها ذمة او وعد قطعته ولم تنفذه.
غادرت لكنها لم تهرب من تاريخ مزيف وملفق.
غادرت ولم يهتف احد خلفها ( علي وياك علي ).
او ( بالروح بالدم نفديك يا ميركل ).
غادرت المسرح السياسي لكنها لم تحاول يوما ان ترقص‘
في هذا المسرح على جراح الفقراء والارامل والمحتاجين.
غادرت المسؤولية ولم تطلب من انصارها التبعية والطاعة والخنوع.
غادرت وظيفتها وهي لم تفكر ان تأخذ معها يوما المصور ليلتقط لها صورا‘
في المعابد والكنائس لأضفاء نوع من القداسة المزيفة‘
او ان ترفع الصليب للمتاجرة بالدين.
غادرت وهي لم تحصل على شهادتها الدكتوراه الفيزيائية من كليات النايلون الجديدة.
غادرت بعد ان جعلت بلدها محصنا من الداخل والخارج
ولم تكن سببا في تفككه الاجتماعي والسياسي والاخلاقي والعلمي.
غادرت وهي تقدم المساعدة لملايين اللاجئين
ممن تقطعت بهم سبل الحياة في دول المواعظ والشعارات المزيفة.
غادرت لكنها دخلت التاريخ كسيدة حفظت اقتصاد بلدها من الانهيار.
غادرت وهي ليس لديها سوى سائق واحد ورجل حماية واحد.
اعتذرت لمرات كثيرة عن سوء ادارتها وقرارتها وانها معرضة للخطأ.
غادرت ولم تترك خلفها خطوط حمراء او صفراء او سوداء.
16 سنة من الخدمة لشعبها مع انجازات كبيرة على كل الصعد والمستويات‘
العلمية والاكاديمية والفكرية والتعليمية والصحية‘
فضلا عن البناء والصناعة وانحسار البطالة.
غادرت وهي مؤمنة ان البناء السياسي المعوج لا ينتج الا الضياع.
ودعها الجمهور بباقات من الورد والتصفيق وليس بالاحذية او بالشتائم
سيكتب عنها التاريخ انها خرجت من السياسة كما دخلتها نظيفة‘
من اي شبهة فساد او انها تاجرت بمناصب مقابل صفقات تجارية وسياسية.
غادرت وهي لم تترك خلفها جيش من الاتباع والحواريين والاقارب.
لن تقلق ميركل اثناء تقاعدها من الذهاب الى مطار او سوق او سينما‘
من دون حمايات او حراسة مشددة لأن كل ما فعلته هو من اجل شعبها.
هي تغادر الحاضر بوعي ما تخطط له للمستقبل‘
ونحن ( نذهب للمستقبل بحذاء الماضي)‘
بكل ما يحمل هذا الماضي من عقد وتراكمات وجهل وتخلف‘
وحمامات الدم والعصابات والمسالخ.
فحولنا الحاضر الى بكائيات عن الماضي.
مناحات مستمرة غرقنا في الخيال والصور والاوهام‘
فتوقفنا عن انتاج المعرفة والفكر.
لكن بنفس الوقت تصدرنا قائمة النخب السياسية في العالم‘
في اننا الاكثر بعدا عن وعي شعوبنا.
واثبتت تلك ( النخب ) انها صورة مصغرة
من صور الدكتاتور وعقليته وسلوكه.
وانها لم تكن تطمح في صراعها الطويل مع النظام السابق‘
الا الحصول على السلطة والامتيازات والوجاهة والاستعراض
كما كان يفعل الطاغية.
تُرى ‘ هل نحن نفهم اساليب العمل السياسي‘
كما هو في الدول المتحضرة !؟
ام اننا نعرف القشور؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *