كتب محمد السيد محسن
—————
عن أطوار بهجت السامرائي أتحدث؛ الشهيدة التي قُتلت غيلة لأنها تحب مهنتها وطبقت بالحذة ما تحمل تلك المهنة في قضية البحث عن المتاعب.
أنا من عشت آخر ساعات اللقاء مع أطوار، وأنا من أحسَّ بهاجس الموت يحاصرها فحذرتها مرارًا ولم تأخذ بما حذرت.
تعرفت على أطوار في الفضائية العراقية وأعطيتها برنامجي “قرأت لك” بعد تقديم خمس حلقات منه. وبقيت أُساعدها في إعداد هذا البرنامج حتى خروجي من الفضائية العراقية إلى قناة الجزيرة. وبعد عام 2003 جاءت أطوار إلى قناة الجزيرة وتم تكليفي بتدريبها على العمل الصحفي وتلك مهمة يكلف بها السابق لتدريب اللاحق، ومثل ما دربني ماجد عبد الهادي، أخذت على عاتقي تدريب أطوار بهجت.
وبعد أن رفعت القناة علمًا في مناطق بعينها وتم حرف بوصلتها عن الهدف الاسغمى في العراق انتقلت إلى mbc وتبعتني أطوار مرة أخرى حيث انتقلت إلى قناة العربية، وبدأنا نعمل من مكتب واحد.
إلتقينا في أربيل حيث كان لي لقاءات مع قادة أكراد عراقيين، وكانت قادمة من بغداد لإجراء مقابلة مع القاضي رزكار عمر، أول قاضي في محاكمة صدام حسين.
في الصباح سمعنا الأخبار بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وكانت أطوار على تواصل مع مكتب العربية في دبي للتواجد في موقع الحدث وتبحث عن سيارة نقل خارجي لنقل الأحداث بشكل مباشر، أخذت هاتفها وقلت لها: أنا أخشى عليك من الموت، فلا تذهبي لأنني تواصلت مع وزارة الداخلية وأبلغوني أن فريقًا سيصل مع الوزير وقتذاك باقر جبر الزبيدي.
أصرَّت أطوار على أن تذهب وواصلت اتصالاتها، وحصلت على الموافقة، وكان لزامًا عليَّ أن أودعها، احتضنتها وقلت لها: لن أراك مرة أخرى، أشارت وهي ضاحكة إلى قلادتها الذهبية وخريطة العراق وقالت: ما دمتُ أرتدي هذه فلن أموت.
حصل عطل في باب السيارة، طلبت مني أن أعطيها السيارة المرفقة لي، رفضت وقلت لها لن أساهم في موتك، فاضطر مرافقها “أبو فهد” أن يذهب إلى المنطقة الصناعية ويأتي بمصلح ففتح باب السيارة. وكررنا مراسيم الوداع وقلت لها: إن عطل باب السيارة فيه إشارة أن لا تذهبي، ولم تستمع لي.
وما هي إلا دقائق حتى عادت أطوار لأن هاتف الثريا فيه عطل وطلبت أن تستبدله بهاتفي “الثريا”، وافقت بالطبع وكررت تحذيري أن إشارات الموت باتت واضحة لكنها لن تستمع.
وذهبت أطوار … ثم اتصل بي المصور المرافق معها “محمد فؤاد” طلب مني أن أقنع أطوار أن لا يذهب في هذه المهمة… اتصلت بها وقلت: إذا كنت تذهبين للموت فلا تأخذي معك المصور، وسيارة النقل الخارجي التي تنتظرك فيها مصور. فعادت أطوار للمرة الثالثة، ونزل المصور محمد فؤاد ولم يلتحق بالمهمة. قلت: يا حبيبتي إن إشارات الموت باتت واضحة فلا تذهبي، أحسَّت أطوار بهاجس الموت هذه المرة فنزلت من السيارة ودخلنا الفندق وإلى غرفتها د، أعطتني حقيبتها واللابتوب الشخصي و300 دولار، وقالت: إذا لم أعد تسلم هذه الأغراض لشقيقتي، لكنها هذه المرة احتضنتني وأجهشت بالبكاء وكأن الموت يحاول أن يقودها إلى دربه دون إرادتها.
وفي المساء اتصل “نصير” أحد كوادر الهندسية من دبي قائلاً: مرحبا أطوار، قلت له أنا محمد، لقد تبادلنا الهواتف، والتفتت إلى المصور محمد عبد الحافظ قلت له: لقد تمكن الموت من أطوار أخيراً.
لم يبق من تلك الحكاية غير حسرتي وهاتف الثريا الذي لم أسلمه لحد الآن، رحم الله صديقتي أطوار، لقد دفعها الموت إلى زاويته لكنها بقيت تعانده بخلودها.
يموت الخالدون بكل فج
ويستعصي على الموت الخلود.

By Miimo

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *