محمد عبد الجبار الشبوط

كانت الثورة الاميركية التي اقامت اقوى دولة حتى الان حلما راود عقول نفر من الرجال اطلق عليهم المؤرخون اسم “الاباء المؤسسون”. تمكن هؤلاء عبر النضال المستميت لعدة سنوات من توحيد المستعمرات الثلاث عشرة، التي كونت الولايات المتحدة في البداية، وقادوا الحرب من أجل الاستقلال عن بريطانيا العظمى، وبنوا إطارًا حكوميًا للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة على أسس جمهورية خلال العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر. حدد المؤرخ ريتشارد ب. موريس في عام 1973 الشخصيات السبع التالية كالآباء المؤسسين المحوريين: جون آدمز، بنجامين فرانكلين، ألكساندر هاميلتون، جون جاي، توماس جيفرسون، جيمس ماديسون، وجورج واشنطن استنادًا إلى الأدوار الأساسية والمهمة التي لعبوها في تشكيل الحكومة الجديدة في البلاد. كتب هؤلاء، واخرون، “إعلان الاستقلال” الذي اعتمد ٤ تموز من عام 1776، مُعلناً استقلالها عن بريطانيا العظمى.
كان ماركس وصديقه انجلز يحلمان بثورة عمالية تكتسح الانظمة الرأسمالية وتقيم النظام الاشتراكي. وكتبا لهذا الغرض “البيان الشيوعي” عام ١٨٤٨ الدي وردت في سطره الاخير الجملة التالية:”العمال ليس لديهم ما يخسرونه سوى أغلالهم”. ثم الف ماركس الجزء الاول من كتابه الكبير “راس المال” عام ١٨٦٧ و لم يعش لنشر الجزأين الثاني والثالث المخطط لهما، فاستكملهما ونشرهما بعد وفاته صديقه فريدريك إنجلز. وبعد ٥٠ سنة قاد الروسي الحالم لينين الثورة الشيوعية في روسيا في عام ١٩١٧، التي اقامت الاتحاد السوفياتي، اكبر امبراطورية في القرن العشرين.
وفي عام ١٩٦٣ اعلن الاميركي الاسود من اصل افريقي مارتن لوثر كنك انه يحلم بالغاء التفرقة العنصرية في الولايات المتحدة والقى كلمته المشهورة “لدى حلم” ” I have a dream ” التي قال فيها: “لدي حلم بأنه في يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم”.
بعد ٤٦ سنة اصبح الاسود من اصول افريقية واب مسلم باراك أوباما واسمه الكامل باراك حسين أوباما الابن الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009 وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض.
وفي عام ١٩٦٩ القى الامام الخميني المنفي في النجف (١٩٠٢-١٩٨٩) محاضراته حول ولاية الفقيه، او الحكومة الاسلامية. وقد تم ترجمتها إلى اللغة العربية، وطبعت لأول مرة في بيروت عام 1970 م وتم أرسالها بسرية إلى إيران، وكانت تلك هي شرارة الثورة الاسلامية التي اطاحت بنظام الشاه واقامت الجمهورية الاسلامية في عام ١٩٧٩.
الحلم يأتي ردا على واقع مؤلم يعيشه الانسان وليس استكمالا لواقع وردي يحيا تحت ظلاله الوارفة. فالحياة الصعبة وتردي الاوضاع العامة يجعلك تحلم (او تتمنى) واقعا افضل تزول فيه الصعوبات والالام والمعاناة. وقد يبدو هذا الحلم من المستحيل تحقيقه مقارنة مع السلبيات التي تسود في واقعك المعاش، لكن هذا لا يمنعك من ان تحلم بان احلامك تحققت. فما الذي يمنعك من ان تحلم؟ بل لماذا تحرم نفسك من متعة الحلم ولذته؟
في عهد صدام الدكتاتوري الاسود كنا نحلم بالحرية ردا على العبودية التي احكم صدام اغلالها علينا، وبعد ان تحررنا، لم يتمكن الذين تولوا زمام الامور من اقامة دولة قادرة على تحقيق السعادة والرضا للناس. فاخذ بعضهم، وانا من ضمنهم، يحلمون بدولة اخرى تحقق لهم ذلك. ومنذ عام ٢٠١٧ اطلقتُ على هذا الحلم اسم “الدولة الحضارية الحديثة”، محاكاة لدول تحققت فيها بعض مفردات هذا الحلم الوردي على درجات متفاوتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *