رقيق عبد الله
انا افهم هايدغر و لك ان تتكلم. ان في طريقنا يتنحى وجودنا الكامل جانبا لكي افهمك….
تكلم هايدغر وقال…قد يكون وجودك هو الشيء الوحيد الذي تملكه، و هو أيضاً الشيءالوحيد الذي أنت معرض في كل لحظةٍ لفقدانه.
انا افهم هايدغر… كيف لك و انا اناشد الحقيقة ان تحول الموجود البشري كي يتعالى عن ذواتنا و الماضي ينبعث من المستقبل لكي يولد الحاضر كما تقول، وان وجودنا هو في صميمه اتجاه ونزوع وشروع.
تكلم هايدغر ….ان الموجود البشري هو دائماً فيما وراء ذاته، تفهم لماذا؟ لأنه موجود زماني يقذف بنفسه نحو إمكانياته، ويعدو دائماً خلف ذاته. و هو في الحقيقة مشروع وجودي لتحقيق إمكانياتنا، فالتوتر متجه نحو المستقبل إن لم نقل بأن زماننا نفسه يبدأ بالمستقبل.
كيف افهمك يا هايدغر و انت تجعل انبثاقات الزمن تشارك المستقبل؟
تكلم هايدغر….قد تفهم الآن انه الذي يحدث بعد، و تفهم أن الماضي يعني ذلك الذي انقضى، كما أن الحاضر يعني ذلك الآن الذي ينقضي في اللحظة الراهنة. و الحقيقة ان المستقبل والماضي والحاضر ثلاثة انبثاقات زمانية تعبر عن ارتباط الذات بوجودها وانشغالها بصميم كينونتها وتعاليها المستمر على ذاتها.
هايدغر …انا أفهم عكس ما تكلمت ان الزمانية ليست مجرد تعبير عن الزمان الذي يسير وفق حركة الموجود البشري سواء للأمام أو للخلف، وإنما هو شعورنا بانبثاقات ذاتها دون وجوبية الاهتمام بالمستقبل. كما أن شعوري بالحاضر هو انبثاق الموجود الكامل لدي.
انا افهم هايدغر …ان الاهتمام بما يوجد بعد هو الموقف الحاد لإعادة نصاب حقيقة الموجود و مواجهة ذواتنا اليس كذلك.
تكلم هايدغر….من الممكن ان يكون كذلك، و افهمك بأن الجري خلف ذواتنا هو عودة إلى الوراء قليلاً لكي نتقبل ماضينا و نأخذه على مسؤولياتنا، فالحاضر لا يأتي إلا بعد المستقبل والماضي باعتباره نقطة تلاقي حركتين هما حركة الذات نحو الأمام وحركتها نحو الخلف.
انا افهمك هايدغر… ان حالة الانبثاق الكشفي في ان الوجود يتناهي بالزمان وان رفضك لاي إحالة ابدية هو اشكالية انفصال عالم الحق عن عالم الخلق هل توافقني هايدغر؟
تكلم هايدغر….صحيح هنا نتفق ان الإنسان لا يصبح ذاتاً إلا حين ترتبط أقسام الزمان معه في بناء كلي دائم.
انا افهمك هايدغر…. ان ما قلته في التعالي بأن الموجودات البشرية ليست كائناتٍ مغلقةً على ذاتها او منعزلةً قائمةً بذاتها وانما هي كائنات زمانية تحقق حركة مستمرة تشكل موجوداتٌ زئبقيةٌ تعلو دائماً على ذواتها أليس كذلك.
تكلم هايدغر… هو ليس كذلك فالتعالي ليس تعالياً رأسياً بل هو تعالٍ أفقي، فنحن لا نخرج من ذواتنا لكي ننتقل نحو الله أو نحو أي موجود آخر متعال وإنما نحن في حالة اتجاه مستمر نحو العالم و نحو المستقبل و نحو العدم.
انا افهم هايدغر … ان هذا التعالي في كلامك يفقدك طابع الانفتاح الحكيم على ما لا يدرك في معارج أطوار الفكر و حقيقة الكينونة.
تكلم هايدغر…. انا لم اترك سؤال لماذا، فحياتنا سير مستمر نحو الموت، لذا وجب لنا من أن نعلو على ذواتنا متجهين نحو ذلك العدم الذي قد جُعِل منه وجودُنا، و ان العدم هو من مقومات الوجود نفسه باعتباره ملتحماً بنسيج وجودنا الزمني و انبثاقاته.
انا افهمك هايدغر ….انك إذن ترفض التفكير المتعالي تجاه الكينونة كوسيلة للتفكير المطلق وفق الحيرة و الرهبة و منه الوجود الكامل لإرادة الانسان و استعداده للوهب الالهي و منه الانبثاق بغير حساب.
تكلم هايدغر ….ان الحادث السري الخاطف تُقبل فيه الكينونة على الانسان بمرتبة الوجد الباطني و الايمان الأقصى الذي يمنح صاحبه القدرة على التعالي و التجاوز، الاستيعاب و الإحاطة و الصبر، و من حصل له ذلك فإنه يستطيع أن يعيش عالم الغيب و الشهادة و الظهور بالمقدار نفسه عبر الانسجام و وئام وحدته الوجودية.
انا افهم هايدغر …..ان الايمان الأقصى هو جوهر الانسان و وجوده الكامل.
تكلم هايدغر…الايمان ليس جوهر الانسان و وجوده الكامل فقط و انما هو الفعل الذي يصل به العقل الى نشوة الانجذاب و الى ما بعد ذاته دون ان ينشطر وجوده.
يتبع…
كاتب جزائري