د.احمد الميالي
مقالنا المنشور في صحيفة المستقل اليوم.
بعد ان حدد الاستحقاق الانتخابي في العراق في تشرين الاول القادم، يسبق هذا الموعد تصورات وفرضيات حول المشاركة الانتخابية على المستوى الاجتماعي والمكاني ، تزامنا مع دعوات لمقاطعة تلك الانتخابات او تأجيلها نظرا لاستمرار مشهد اغتيال الناشطين وعدم القدرة التنفيذية على المحاسبة والوقاية من هذه المشاهد، اضافة الى رغبة بعض الاحزاب والشخصيات السياسية تاجيل هذه الانتخابات واستثمار اي لحظة اخفاق او تراجع للتحجج بعدم تهيأة وضمان الاجواء المناسبة والامنة للانتخابات.
والحق ان ردود افعال الشارع ازاء الانتخابات لايزال يحيطه الغموض والقلق ومن المحتمل ان يتسيد تيار القطيعة مشهد الصدارة على حساب تيار المشاركة، لكن هذا يعني بقاء القوى السياسية التقليدية في العملية السياسية بالاعتماد على انصارها وجماهيرها رغم محدودية التأييد وتراجعها ايضا، لكن هذا المشهد يسود في النطاق المكاني في محافظات الجنوب والوسط حصرا ، اما في المناطق الغربية وشمال العراق فمن المتوقع ، بل المؤكد انتصار تيار المشاركة على تيار المقاطعة نظرا لاعتبارات عديدة معروفة ، منها ان الاحتجاجات الشعبية الاخيرة سادت مناطق الوسط والجنوب، نظرا لوجود ازمة قيادة وازمة مشروع وطني في هذه المناطق فضلا عن الاسلوب الصراعي للقوى السياسية لهذه المناطق انعكس بشكل سلبي في تأليب الوعي الشعبي الرافض للاداء والوجود السياسي لهذه القوى باعتبارها تمتلك الاغلبية وقادرة على صنع واتخاذ القرار الذي ينعكس على حياة ابناء هذه المدن، اذ تعاني هذه المناطق من نقص شديد في الخدمات والبنى التحتية رغم الموارد الغنية التي تتمتع بها ، في المقابل، لم تشهد المدن المحررة واقليم كردستان مثل هكذا احتجاجات فهنالك شعور لدى ابناء هذه المناطق بالرضا النسبي عن اداء قياداتهم السياسية رغم وجود تحفظات محدودة على بعض تلك القيادات ووجودها واداءها، على سبيل المثال هنالك معارضة في الاقليم للحزبين التقليديين ، وايضا تحفظ ورفض للقيادات السياسية الاسلامية والتقليدية السابقة في المدن المحررة بشكل عام. لكن في قبال ذلك يبدو ان المناطق الغربية واقليم كردستان افضل حالا من الوسط والجنوب من حيث مشروعية الرضا ازاء بعض القيادات والاحزاب السياسية ، والبنى التحتية والخدمات والبناء والاعمار ، واذا ما ركزنا مثلا على المدن المحررة في شمال وغرب العراق ، فمستوى المشاركة الانتخابية فيها قد يكون اوسع من التجارب الانتخابية السابقة مع ثبات تقريبي لمستوى المشاركة في اقليم كردستان ، والسبب زوال تهديد داعش وتراجع شعبية القوى السياسية القديمة فيها، مع بروز قيادات سياسية مدنية محل تلك القديمة اسهمت في اجتراح حملات البناء والاعمار في تلك المدن بشكل ذاتي وتواصل مباشر مع المانحين وتجاوز عقبات البيروقراطية والتمويل الحكومي الذي لازال محدودا ان لم يكون منعدما ، ومن هذه القيادات : رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي يتمتع بتوجهات معتدلة ومنفتحة ويمتلك تراكم في الاداء الايجابي في عمله.
كما ان القيادة الكردستانية ورغم انها تقليدية التوجه لكنها تحظى بقبول ورضا شعبي ، منطلقاته قومية اضافة الى وجود حركة بناء واعمار وبنى تحتية ملائمة من كهرباء وماء وصحة … تسهم في ترسيخ هذا الرضا والقبول رغم تحفظات تتعلق بالممارسة الديمقراطية في الاقليم.
هذه الحيثيات والمعطيات اضافة الى الاستقرار الامني الملحوظ في شمال وغرب العراق ، وتصدعها الى حد ما داخل المناطق الوسطى والجنوبية نتيجة انتشار السلاح خارج قوى الدولة، ستؤشر بشكل قاطع ضعفاً في المشاركة الشعبية في الانتخابات القادمة في المناطق الجنوبية والوسطى وتزايدها في المناطق الغربية والمدن المحررة مع ثباتها في اقليم كردستان.
لهذا يستوجب على القيادات السياسية الممثلة للقوى المقاطعة ان تبعث الامل لهذه الشريحة الواسعة خلال الاشهر المتبقية من حلول الاستحقاق الانتخابي بتقديم مشروع وطني يطمأنون اليه اضافة الى سياسات واليات وتشريعات وخريطة عمل ميداني لاصلاح البنى التحتية والخدمية والبناء والاعمار وتوفير فرص العمل، فضلا عن الاستقرار الامني ليكون دافعا وحافزا لتوسيع نطاق المشاركة السياسية بشكل يجعل مخرجات الانتخابات المبكرة مشروعة وتتضمن فرص وبرامج اصلاح حقيقي وليس تنظير وشعارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *