كتب رياض الفرطوسي
وضعت الكاتبة الالمانية ( حنّه ارندت 1906-1975)‘
ملامح نجاح الثورة الاميركية في كتابها ( في الثورة)‘
ولخصت اهم الاسباب والدوافع لتلك الثورة.
منها ( القضاء على البؤس والتعاسة المجتمعية
عند الاغلبية من الناس)‘
يرافق ذلك مأسسة الدولة ووضع قوانين ومحاكم مستقلة.
لأن العدالة تكبح تسلط النظام السياسي.
ثم انطلقت فكرة بناء وتأسيس نظام عالمي جديد‘
يعطي قيمة للشعوب حيث لا يمكن ان تتحقق الحرية والعدالة
من دون حماية للقوانين.
وثمة علاقة جدلية بين (المجتمع الذي يقود التغيير) وبين النظام السياسي.
حتى تتشكل شرعية متبادلة وثقة بين الطرفين.
واي خلل في هذه العلاقة يشكل فشلا للجانبين.
وعلى هذا الاساس وضعت الكثير من الدول المتحضرة‘
منطلقاتها الحضارية والتنويرية.
ماذا يعني ان يكون الانسان حضارياً او تنويرياً‘
لا توجد جينات حضارية وجينات غير حضارية‘
لكن على الانسان دائماً ان يكون خالق فرص‘ وخالق حياة.
بعض دول الخليج كانت لوقت قريب جداً‘
( عبارة عن صحراء ورمال وابل ومواشي )‘
وبداوة وقبائل تعيش في العراء‘
لكنهم الان مدن كبيرة وبنايات شاهقة وشوارع نظيفة‘
وسيارات حديثة وتعليم نموذجي وطائرات وسفر وشركات‘
ومؤسسات رصينة ومستشارين وعلماء ومثقفين‘
وادارة ممتازة لشؤون الدولة.
تم انتاج دولة وطنية على انقاض الصحراء والرمال‘
بعناصر مضادة للركود والانا والتخلف.
حتى تحولت من دول فقيرة‘
الى دول تعيش الرفاهية الاجتماعية والعلمية بوقت قياسي.
كيف ننتج دولة وطنية ونحن لازلنا ننتج عناصر الخراب.
كنا ننتج طغاة والان ننتج فاسدين‘
خرجنا من زمن الدكتاتوريات والحروب‘
والمقابر الجماعية والمشانق والسجون‘
والحصار والهروب والنفي.
ودخلنا في زمن الفاسدين واللصوص‘
والعقل السياسي الرث الذي يقوم‘
على التسويات والمصالح والمكر والمساومات.
قوى متنافرة من زمن المعارضة الى زمن الحكم.
لم تستطع هذه القوى من قبل ومن بعد‘
من رسم ملامح المستقبل.
لانها تفتقد للرؤية والتخطيط والبرامج.
في مقابل ذلك يجلس جمهور متفرج وكسول وحيادي
يكتفي بالسخرية والنقد واحيانا ببعض الاحتجاجات التي
تحركها دوافع غريزية وشعارات معروفة.
الجمهور في نهاية المطاف يعتبر شريك في النكبة الوطنية
ويبدو المشهد كما لو اننا امام صراع بين نخبة سياسية تحتكر السلطة.
تريد الامن والرفاه للناس ( كما تقول) وبين مجاميع شعبية غايتها خلق
الاضطرابات والضجيج والفوضى.
لكن الواقع الحقيقي مخفي ومحتجب خلف‘
الشعارات والصور والمقابلات.
وبين من يلعن ويمدح ضاعت مساحات النظر الواقعية‘
والرؤية الحقيقة لجذور المشكلة السياسية والاجتماعية.
لذلك نجد انفسنا في كل حقبة امام نفس التحديات
ونفس المصير ونفس المتاهة ونفس المشكلة.
لا يمكن ان نتوقع ايجاد حلول على قارعة الطريق.
هذه الامور تحتاج الى مراجعة وكشف حقائق وبصيرة‘
واستباق وتوقع وغوص في التفاصيل.
وان نتحرر من بعض الاوهام السياسية والفكرية والثقافية.
فضلا عن التحرر من العقد النفسية والاجتماعية وعقد النقص المزمنة.
وعقد التضخم والتكبر والشعور بالعظمة.
التي انتجت لنا كل هذا العدد الهائل من الفاسدين والطغاة
والتجار والمقاولين.