د.احمد الميالي
مابين عام ٢٠٠٣ و٢٠١٧ شهدت الانبار انتكاسات وتداعيات سلبية متتالية نتجت من تواجد تنظيميّ القاعدة وداعش فيها، اثرت هذه الانتكاسات على الصعد كافة : الامنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فعلى الصعيد الامني سقطت غالبية مناطق الانبار بيد الجماعات الارهابية وتعرضت للقصف والتدمير والخراب، اما على الصعيد الاجتماعي فتصدع السلم المجتمعي وشهدت انقسامات وصراعات انعكست على الصعيد السياسي الذي قسم واقع هذه المحافظة الى اتجاهات متعددة متقاطعة مابين اصولية متشددة كانت سببا في استحكام الجماعات الارهابية، وقبلية تكافح من اجل استتباب الوضع الاجتماعي، وتيارات مدنية منفتحة على الجميع تريد ليس الاستقرار فحسب بل استعادة مكانة هذه المحافظة وثقلها الجغرافي والسكاني والاقتصادي والسياسي.
من المعروف ان الانبار محافظة حضرية تعيد بناء نفسها بنفسها واهلها وسكانها سريعي الاندماج في دعم الدولة والقانون والنظام ، كما كان هناك دور للقيادات السياسية المعتدلة التي برزت بديلا عن القيادات السياسية التقليدية المتشددة والمنغلقة والتي كانت احد اسباب سيطرة الجماعات الارهابية على معظم مناطقها.
وهذا ماحصل للانبار منذ عام ٢٠١٧ ولغاية الان ، اذ شهدت الانبار تحولات ومعطيات سياسية جديدة انعكست على المجالات العامة الاخرى اجتماعيا واقتصاديا وامنيا..
فعلى صعيد اعادة البناء والاعمار كانت تجربة ناجحة واستثنائية في هذا المجال في ظل ظروف وتحديات معقدة واهمال وعدم اكتراث حكومي، اذ اعتمدت قيادتها السياسية كمحافظة وممثليها في البرلمان على القدرات الذاتية والتضامن الاجتماعي في انجاز هذا التحول واحلال البناء والسلام. اما على الصعيد السياسي فقد اصبحت الانبار بوصلة محتملة بل مؤكدة لمعادلات سياسية عابرة للطوائف ، تمثلت مؤخرا بزيارات لزعماء وقادة سياسيين ونواب ووجهاء ونخب، مركز الاستقطاب لهذه البوصلة هو رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي استطاع ان يكون النواة الصلبة لهذه البوصلة عبر وجوده واداءه في رئاسة مجلس النواب وقبلها محافظا للانبار اذ بات قناة اتصال وتفاعل مع الاطراف السياسية كافة فبعد زيارة رئيس الجمهورية للانبار زارها السيد عمار الحكيم كما وعد السيد نيجرفان بارزاني بزيارتها واشادة الجميع بمستوى التقدم والازدهار الذي شهدته الانبار خلال السنوات الاربعة الاخيرة.
هذه الزيارات تؤشر مرحلة لشراكات وتفاهمات سياسية لاتنحصر في النسق الانتخابي للقوى الاساسية فحسب انما في الرؤية المشتركة والمنسجمة ماقبل وبعد الانتخابات لتوحيد المواقف الخادمة للجميع.
المهم في كل ذلك ان الانبار استعادت مكانتها ومركزيتها كحاضرة عراقية لها وزن سياسي اجتماعي جغرافي مؤثر انزاحت عنها كل مؤشرات الاخفاق والانكسار وانعدام الثقة، باتت الانبار اليوم مركز قرار مستقر تمثل طموحا للاقطاب الاخرى في التفاعل والتواصل معها سياسيا واجتماعيا.
لايمكن الغاء ومسح ذاكرة الانبار كنموذج للتعايش والاندماج والانفتاح من قبل العابثين بأمنها عبر استعادة مشاهد العنف والتشدد لان اهلها وقادتها نجحوا باعادة بناءها واعمارها، لتكون مرة اخرى نموذجا لهذا التعايش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *