كلمة / لندن

يتزامن الحوار الأوربي الإيراني في فيينا حول الإتفاق النووي ، مع الحوار الإيراني السعودي في بغداد، كلا الحوارين يصبان في مصبٍ واحد هو تصفير المشاكل في منطقة الشرق الأوسط.
والبايدنية هي السمة الجديدة التي تظلل أجواء الحوارين.
رغم التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، إلا ان الإدارة الامريكية تبدو عازمة على رسم خارطة جديدة ، أو ربما تخطط الى ما هو أبعد من الخلاف حول الاتفاق النووي أو الصراع السعودي الإيراني .
فكل الأطراف إجتمعت مصالحها مع الحوار، اذ جاء الحوار كضرورة وحاجة للجميع، رغم محاولات إسرائيل عرقلة مسيرة التفاوض .
لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة لا ترغب أن تذهب ايران بعيداً في عملية تخصيب اليورانيوم ، وبنفس الوقت لديها صراع مع روسيا والصين الداعمتان والمساندتان لإيران .
فالرئيس الأمريكي جو بايدن اختار أهون الشرين ، وهو التوصل مع ايران الى حلول تمنعها من الحصول على السلاح النووي ، وبذات الوقت تسحب البساط من الصين وروسيا في استخدم الورقة الإيرانية .
بالإضافة الى ذلك فان أمريكا لا يمكن ان تجعل ايران عدوة الى ما لا نهاية ، خصوصاً وان تقارير ال CIA تشير الى ان الداخل الإيراني ليس هشاً وان النظام ليس ضعيفاً، فما زالت اعداد كبيرة من الإيرانيين يؤيدون النظام رغم الواقع الاقتصادي المنهار. وهذا ما أظهره تقرير وثائقي لقناة بي بي سي البريطانية، تحدث عن تأثير العقوبات الامريكية على الإيرانيين وقال ” ان العقوبات وحدت الإيرانيين” .
ويبقى الفرق بين الحوارين، ان الأول علني والثاني سري، وإن كان الاثنان أتيا برغبة أمريكية .
فالحوار الأول ضرورة للأوربيين , وللإيرانيين, فايران التي تعاني من الحصار الأمريكي ومن تدهور في عملتها الوطنية , من التحرشات الإسرائيلية التي تنذر بمواجهة بين البلدين, وهذا ما تريده إسرائيل لتضرب به عصفورين بحجر واحد .
الأول: ان توقف المفاوضات حول الملف النووي, ومنع حصول إيران على إمتيازات من الجانب الأمريكي والأوربي, والثاني: إيجاد مبرر لضرب حزب الله في لبنان وكذلك ضرب الإيرانيين في سوريا , فيما إذا وقعت المواجهة.
لكن الإصرار الأمريكي الأوربي على مواصلة الجهود في التوصل الى حلول مع الإيرانيين, كما صرح الناطق باسم المفوضية الأوربية هو من جعل إسرائيل تتريث , كما جعل السعودية تتوجه نحو الحوار.

لكن الانكار الإيراني والسعودي بوجود حوار بين الطرفين في بغداد يعكس صورة أخرى تبدو مشوشة لحد الان ، والواقع ان جلوس الإيرانيين والسعوديين في بغداد كان للتعارف الاولي ، ولم يكن حواراً بالمعنى المطلوب .
لذا كان الانكار سيد التصريحات.
أو ربما تعتبر ايران الحوار مع السعودية سيكون تحصيل حاصل للنتائج التي سيتمخض عنها حوار فيينا.
السعودية وبعد الدعوة القطرية للحوار مع إيران ووصول بايدن للبيت الأبيض واعلانه بالعودة للاتفاق المنوي ، راحت تفكر بجدية في هذا الاتجاه ، فقد صرح وزير الخارجية السعودي قبل أسابيع «أن الحوار مع إيران امرٌ جيد»،اعقبه تصريح إيراني من مستشار المرشد الإيراني « السعودية ليست عدوٌ لنا »، وكانت هناك وساطة قطرية عمانية تعمل بهذا التوجه استفادت من هذه الرسائل ، لكن المملكة لم تعترض على الدعوة القطرية, ولا حتى على المبادرة العراقية, بيد أنها كانت تبحث عن فرصة مناسبة للجلوس مع الإيرانيين.
فكانت زيارة الكاظمي الى الرياض الفرصة الأهم لبدأ الحوار ، خصوصاً وأن رئيس الوزراء العراقي كان يعرف مسبقاً رأي القيادة الإيرانية بهذا الموضوع, أو ربما أُبلغ به قبل زيارته للرياض, حينما زار قائد فيلق القدس بغداد, بعد الهجمات على القوات الأمريكية.
فقام الكاظمي بدور التنسيق لعقد اللقاء ، وقد وجدها فرصة مناسبة للعب دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، خصوصاً وان العراق في توجهه العربي الحالي أصبح أكثر قبولا ًفي محيطه الإقليمي .
رافقت فكرة الحوار ، نية سعودية بإنهاء الصراع في اليمن وغلق هذا الملف الذي جلب صداعاً للخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، والمعروف ان إيران لها تأثير كبير على جماعة “أنصار الله الحوثيين” ويمكنها ان تنهي هذا الملف, بالإضافة الى تطلعات السعودية في بناء الداخل السعودي وتغيير كثير من ثوابت المنظومة الاجتماعية للمملكة.
دور السيد الكاظمي وحوار بغداد أعكى للعراق مكانة إقليمة, سيما وان الخلاف السعودي الإيراني ليس من خلافاً عادياً , بل هو خلاف معقد يتداخل فيه السياسي والطائفي, وهو صراع نفوذ وزعامة بين دولتين كبيرتين , لهما ثقلهما الإقليمي والدولي.
ونخلص في القول أن حوارات فيينا بغداد , أحدهما مرتبط بالآخر , وعليهم تتعلق كثير من ملفات المنطقة. فهل تنجح بغداد في مساعيها وتسكت أصوات الكاتيوشا في الداخل , وتلعب لعبة التوازن بين الطرفين ؟
الأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال. \

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *