يحيى ناصر محسن العقابي*

أطلق الجيوفيزياوي الأمريكي (كينج هوبرت) في عام 1956م افتراضه العلمي المثيرللجدل في عن حتمية زوال النفط في الحقول المنتجة بعد أن  تبلغ زمن الذروة في إنتاجهاالنفطي. واعتبرت تلك الفرضية في حينها نذير شؤم لمدمني النفط، بعد بلوغ ذروة انتاجهفي أميركا سنة 1971م وفي العالم سنة1995م مستندا على منهجية بحث علميوتحليلات إحصائية لاحتياطيات النفط المؤكدة مقارنة بالكميات المنتجة .

وبعد دراسته العلمية الموسعة والشاملة للخصائص الجيولوجية والفيزياوية لحقولالنفط واستحضاره خبرته الأكاديمية والعملية في هذا المجال، ومراقبته كميات النفطالمستخرجة من تلك الحقول خرج بمخطط بياني على شكل منحنى بهيئة ( ناقوس ) تتكون قيمه من إحداثيات الزمنأفقياوالكميات المستخرجة من الآبار بملايين البراميلعموديامبرهنا وحسب منطق افتراضه بأن مادة النفط المخزونة في باطن الأرضوعلى أعماق مختلفة في تركيبات جيولوجية ملائمة لتوليد وتجميع النفط والغاز قابلةللنضوب تدريجيا موضحا بان الآبار المنتجة تبدأ عادة بكميات إنتاجية منخفضة آخذةبالصعود لتتوقف عند القمة (الذروة) ثم تنخفض قيم الإنتاج شيئا فشيئا حتى تخرجالبئرعن الخدمة.

بدأ علماء النفط وخبراؤه والمهتمين بشؤونه دراسة فرضية (هوبرت) بشكل واسع لتنالنصيبا كبيرا من اهتمامهم. فمنهم من كان داعما وخاصة بعد بلوغ النفط في أمريكا ذروتهفعلا,فكثر أتباع تلك الفرضية الذين عمقوا أبحاثهم وفق منطوق(هوبرت ) ليكونوا مراكزدراسات وبحوث تهتم بهذا الشأن.

و توالت الأنباء بعد ذلك عن بلوغ (الذروة النفطية) بأماكن أخرى من العالم. ففي حقولبحر الشمال في بريطانيا بدأت عام 1999م وتلتها الحقول النفطية في النرويج عام2001م ,ثم المكسيك عام 2004م ,إلى أن وصل عدد الدول التي بلغت الذروة(22) دولة منأصل (55) دولة منتجة للنفط في العالم.

وظهر فريق آخر من المهتمين بشؤون النفط عارض ما ذهب أليه ( البيكيون ) معتمدينعلى افتراضات علمية رصينة صمدت أمام متبني أفكار (هوبرت) وتلخصت بضرورةالاشتغال في البحث والتنقيب والاستكشافات الجديدة لحقول النفط والغاز بهدفاكتشاف احتياطيات نفطية ذات قيمة  تضاف كرصيد للاحتياطي النفطي العالميالحالي، معتقدين إن المستثمرين في مجال النفط وأصحاب القرار في الدول والشركاتالمالكة لحقوله تبدي عزوفها عن الغور في مجال الاستكشافات والتنقيب لحاجتها الىمبالغ هائلة لا توفر لهم مردودا ربحيا قريب المدى، متجنبين المفاجآت التي يجلبها الزمنوالتي قد تضع جهودهم وأموالهم في أدراجالرياح. هذا فضلا عن اعتقادهم بضرورةتطوير تكنولوجيا التنقيب والاستكشاف تاركين الأمر لغيرهم من أصحاب رؤوس الأموالالكبيرة علُهم يساهمون في إضافة مايطمئن به أسواقهم العطشى إلى النفط .

إن حجم الاستكشافات النفطية في العالم خلال أعوام القرن الماضي كان (365) ملياربرميل في حقبة الستينيات، و(275) مليار برميل في السبعينيات، ثم حقبة الثمانينيات(150) مليار برمي، ,تلتها حقبة التسعينيات بأقل من (80) مليار برميل. هذه الأرقامتعطينا تفسيرا منطقيا لتخوف مستهلكي النفط في العالم من النقص في إمدادات هذاالمصدر المهم والذي يمثل 35% من مصادر الطاقة في العالم فضلا عن الغاز الطبيعي الذييمثل 25% منها، خصوصا بعد أن أظهرت تقارير وكالة الطاقة الدولية توقعاتها بنموالاستهلاك العالمي للنفط بنسبة 1,7% إلى 2% خلال السنوات العشرة القادمة .

أمام هذه المعطيات لجأت بعض الدول إلى اتخاذ قرارات صعبة للزحف بأبراج النفط إلىالمياه بعد إن يئست من الحصول على احتياطيات ذات قيمة في البر، كالقرار الذي اتخذتهحكومة أمريكا برفع الحضر عن عمليات الاستكشاف والبحث قرب ساحل ولاية فرجينياالتي تشير التوقعات إلى وجود أكثر من 3.5 مليار برميل في قاع ساحلها. هذه الخطواتمكلفة من الناحية المالية مقارنة بالبحث والتنقيب والحفر في البر, فضلا عن المعارضةوالضغوط التي يقوم بها أنصار البيئة. وهناك دول أخرى لجئت إلى التنقيب عن النفطتحت المياه بالرغم من امتلاكها احتياطيات نفطية كبيرة كالسعودية والكويت وإيرانلتعطي دلالتين. أولهما ضعف فرص الحصول على احتياطي نفطي في باطن الأرض علىاليابسةوثانيهما محاولة تلك الدول اكتساب خبرة مريحة في مجال التنقيب والحفر فيقاع المياه لنشاطها النفطي الاستراتيجي تحسبا لتولد حاجة مفاجئة في المستقبل،وكذلك إعطاء رسائل اطمئنان لأسواق النفط بتوفر احتياطيات نفطية تبتعد بالعالم عن ( ذروة النفط ) .

الجهود الشاقة التي تبذلها الدول والشركات الباحثة عن النفط وحجم الأموال التيتستثمر في هذا المجال لو تم مقارنتها بالنفط العراقي لأدركنا إن العراق لديه مايمنحه منالتربع على العرش العالمي للنفط لاحتوائه على (530) تركيبا جيولوجيا تحتوي علىكميات هائلة من النفط، تم حفر (115) تركيبا. (71) منها يحتوي على مادة النفط  بشكلمؤكد وهي متوزعة على حقول عديدة لم يستغل منها سوى (27) حقلا. عشرة منها تعدمن الحقول العملاقة في العالم وان (14) محافظة في العراق يوجد فيها النفط والغازالطبيعي .

لقد قدم العراق النفط وقودا لشعلة الحضارة العالمية والذي به تدوم سعادة النفسالبشرية ويضع ثدي أرضه في فم جياع الطاقة بالعالم ليزيل فوبيا النفط عنهم. إنهامفارقة سخية حقا أن تطعم الجياع لينتابك الخوف والجوع .

                                                                    رئيس مهندسين اقدم/متقاعد

متخصص في مجال النفط والغاز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *