تحقيق اجرته : نادية الكتبي
ثمة مشاهد لا تمت لثقافاتنا بصلة، لكنها تجتاح حياتنا بقوة ، وتفرض نفسها على بيئتنا و شبابنا .
حينها يفقد المجتمع سيطرته على التوجيه وارساء القيم والمثل السليمة.
في مجتمعنا المحافظ سابقاً ، كانت هناك قواعد اجتماعية للسلوك العام للفرد ، فاذا ماشذ احدهم عنها فسيكون حينذاك عرضة للنقد والتقويم ، إلا ان هذه القواعد بدأتتضمحل شيئاً فشيئاً بسبب عدة عوامل .
تفتح المستقل في هذا التحقيق ملف نظرة الشبان العرب للتحضر من وجهة مغايرة .
تعتبر البيئة المحافظة واحدة من سمات المجتمع العربي ، فالمعايير الاخلاقية وقواعدالسلوك الاجتماعي تخضع كلها الى نمط متماهي لثقافة المجتمع .
وكما هو معروف ان مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات مترابطة، بعيدة عن الذاتيةوالاستقلالية المفرطة في الانعزال.
لكن ما نشاهده اليوم لدى شبابنا الذي ينشأ في بيئة محافظه ، لكنه سرعان ما يتمردعليها ، ويقوم بالمقارنة بين بيئته والبيئة الغربية ، رغم الفارق الكبير في الفلسفةالاجتماعية التي تحكم البيئتين.
فهو يضع التطور التكنولوجي كمقياس للتطور والتخلف الاجتماعي .
وبناءً على ذلك يكون الغرب مصدر للرقي والتطور والشرق مصدر للتخلف .
فيبدأ بالانسلاخ وتقليد كل ما هو غريب عن عاداته وتقاليده بغرض الوصول الى المدنيةوالتحضر المتخيل .
لكنه للاسف يخطأ في كثير من الاحيان في تصوراته ، فيتشبث بالقشور ويترك الجوهر، فتلتبس عليه الامور ويدخل في متاهات الانحلال الاخلاقي بدلا من الاجتهاد والتطوروالرقي الذاتي .
ففي العقدين الاخيرين ، كان للسينما الامريكية والغربية بشكل عام دور كبير في زرعقيم جديدة في نفوس شباننا ، دون النظر الى تباين المنظومة الاخلاقية والاجتماعية معمنظومتنا ..
وعن اسباب تأثر الشباب العربي بالمظاهر الغربية سألنا الدكتورة حنان مشعل استاذةالبلاغة و النقد بجامعة الازهر فأجابت : “ واقع المجتمعات العربية المختلفة هو من يدفعالى هذه المقارنة ، ويحرف الشباب عن سوية الطريق و خير دليل على ذلك ان الشبابالمبتعث من كافة الدول العربيةالذين يذهبون في بعثات كلفت الدول الكثير من الاموال ،نرى البعض منهم ينجرف و تاخذهم المظاهر ويترك المهمة التي جاء من أجلها ويهملبناء ذاته وتطويرها بالعلم والمعرفة ولا يتأثر بالرقي العلمي والتقني للغرب، وانما ينبهر بالقشور و السطحية، وسرعان ما يكفر بثوابته ويعود الى موطنه متنمرا والكثيرلا يعود” .
وتضيف الدكتورة مشعل “ ان من المفترض انه يعود الشباب وينمي ويطور بلدهويسخر ما تعلمه في خدمة شعبه ويقف بجانب وطنه كجزء من رد الجميل .
وعن العادات الشاذة التي يمارسها بعض الشباب والتي يعتبرها من مظاهر التحضروالمدنية ، كالافراط في التدخين والتعري والمثلية الجنسية والعلاقات الشاذة وغيرها ، فقدسألنا كاترين . س ابردين 25 سنة تحمل شهادة الماجستير في الادب الانجليزي: عن شكلتعامل الرجل والمرأة في الغرب في مجال العمل والدراسة ، وهل ينظر لها كأنثى فقط أمكانسانه يحاكي عقلها ويخاطب انسانيتها ولا يلتفت لمفاتنها الانثوية.
قالت لا وجود لأي علاقة غرامية اثناء الدراسة و البحث بل انه امر غريب وغير ملائمفنحن بالحرم الجامعي جئنا لندرس ونتعلم وننجز ابحاثنا .
اما الدكتورة ندى العابدي الباحثة الاجتماعي والاكاديمية العراقية فقد عزت اسباب هذهالنظرة الخاطئة لدى الشبان العرب الى أزمة الهوية والانتماء .
وأضافت ” ان تكالب القوى الفكرية الحضارية لى شبابنا جعلت منهم يبحثون عنمتنفس حضاري، ومن هنا راينا الانقلاب على المفاهيم و القيم و العادات و التقاليد . فالشباب العربي يعاني من ازمة الهوية، وفقدان الثقة بالذات فهناك حالة ضياع بينتقاليدهم و بين الانفتاح على الحضارات الغربية”
وبما ان بلداننا تفتقد للمؤسسات المتخصصة لاحتضان هؤلاء الشباب لذا نرى هذا النشاز الحضاري .
فالحضارة هي سلوك وعلم وبحث و اجتهاد واخلاص بالعمل واسلوب الحياة يرتقيبالانسان وبانسانيته.
كما ترى مريم . ع 21 سنة طالبة الهندسة في جامعة غلاسكو
ان الحضارة والتطور هو النظام والالتزام بالقانون ، فمثلا التزام الناس بالدور وبشكلمنتظم وعدم التجاوز لساعات طويلة هو سلوك حضاري ، وعندما تسير في الشوارع المزدحمة ولا تسمع ابواق السيارات فهو سلوك حضاري..
و للشابة اللبنانية سحر . ك . 22 سنة طالبة الطب رأي آخر في التحضر ، إذ انها ترىالتحضر من خلال التشجيع على العمل التطوعي من المرحلة الثانوية في دور العجزة اودور الايتام او في المتاجر الخيرية.
هذه الاعمال الانسانية والشعور بالاخرين هو سلوك حضاري. فالعمل الخيري يبعث فيالنفس طاقة ايجابية ، توصلنا الى عالم السعادة الروحي لا الانغماس بعالم الشكلالمادي.
وخلص التحقيق من خلال من التقينا بهم ان التحضر و التطور هو باخلاصنا بعملنابتطوير ذواتنا بالصبر في البحث و التنقيب عن المعلومات الجديدة والتي يمكن ان نحلبها مشاكل عصرنا فلا مكان للضجر او الشكوى ولا وقت ضائع يهدر، انما علينا ايجادالحلول لسد ثغرات مجتمعنا وترميمه والارتقاء به وتطويره . علينا بالتدبر وان نستذكر الايجابي من الماضي ومن الحضارات العربية الاسلامية. ويبقى السؤال الى اين نحنسائرون ؟؟!!.