وسام رشيد

مضى زمن طويل من عمر العملية السياسية في العراق، وفي كل عام يتجدد الجدل ويتحرك الساسة في قيادات الكتل والحكومة ومجلس النواب في اقرار مشروع الموازنة الذي يتقاسم فيه العراقيون ارزاقهم بالتساوي كما اقره الدستور، والعقد السياسي الذي بقيّ اسيراً للتجاذبات، والمزايدات السياسية، وتتحول بعدها اروقة مجلس النواب الى محطات لتقريب الرؤى المتشابكة بين مختلف ممثلي الشعب العراقي.
وبصراحة هي معركة سياسية عنيفة تستنفذ فيها مختلف القوى السياسية جميع قدراتها والياتها للتأثير عمل مجلس النواب والاستحواذ على حصة اكبر في مشروع الموازنة، والذي يتطلب اقرارها توافقاً سار عليه المجلس منذ عام 2007 رغم ان التصويت عليها يستوجب اغلبية بسيطة من اعضاء مجلس النواب.
تحاول الكتل السياسية وقيادات الاحزاب اثناء عملية الاعداد للموازنة في مجلس النواب ومن ثم في مجلس النواب عبر اللجنة المالية ان تضع جميع خلافاتها السياسية، وتقاطعاتها بمختلف المجالات، والمستويات، وربطها بعملية استكمال متطلبات اقرار الموازنة والتصويت عليها، فتكون ساحة لتصفير الحسابات الاخرى في الساحات المختلف عليها.
مجلس النواب العراقي ملزم دستوريا بتمرير الموازنة، التي تتحول الى ميزانية تعمل بموجبها الدولة العراقية بكافة اجهزتها ومؤسساتها التعليمية والصحية والامنية والخدمية والاقتصادية، لكنه يتعرض الى ضغوط كبيرة من مختلف الكتل والتيارات السياسية التي تحاول استثمار فرصة النقاش حول فقرات الموازنة لتمرير صفقات سياسية لا علاقة لها بالمواد الفنية الخاصة باعداد الموازنة.
مقر اللجنة المالية في المجلس تحول الى ورشة عمل يومي حضره لاكثر من ثلاث مرات رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وبعض رؤساء الكتل البرلمانية واللجنة القانونية، في محاولة لتخفيف الضغط السياسي على اللجنة، ولاجل التسريع باقرارها كون التوصيت عليها هو استحقاق اخلاقي تجاه شرائح المجتمع الذي ترتبط ارزاقهم بتمرير المشروع.
الاستحقاق الاخلاقي المقصود هو التعهد الملزم لاعضاء المجلس تجاه المواطنين كافة وما يترتب على ذلك من استحقاقات مالية ترتبط بمعيشتهم، وفي ظل ظروف سيئة تمر بها البلاد وجائحة صحية صعبة وواقع بائس لمؤسسات الدولة الخدمية في قطاعات الصحة خصوصاً، مما ولّد استياءاً كبيراً نتيجة التأخير في اقرار الموازنة.
الشروع بتنفيذ بنود الميزانية بعد اقرارها في مجلس النواب يعد المهم الاصعب بل هو ايضاً استحقاق قانوني لاعضاء المجلس في جانب الرقابة والمحاسبة، فالحكومات المتعاقبة اهدرت ميزانيات ضخمة تحملت معها مجالس النواب السابقة مسؤولية عدم التدقيق والمحاسبة والاحالة للقضاء.
ينبغي ان يكون هناك تكامل فعلي بين عمل الحكومة واجهزتها التنفيذية وبين اعضاء مجلس النواب خاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية واستثمار جميع الاموال المرصودة ومراقبة المحافظين بغياب مجالس المحافظات وتحمل مسؤولية مضاعفة للرقابة والمحاسبة وعبور هذه المرحلة الحساسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *