محمد صالح صدقيان

 

محمد صالح صدقيان

عديد الباحثين السياسيين لازالوا يصفون السياسي الامريكي هنري كيسنجر ب « الثعلب العجوز » الذي ناهز ال 97 عاما .

كيسنجر لازال ينظّر للسياسة الدولية ولعلاقات الولايات المتحدة الخارجية . هذا الدبلوماسي الخبير في الجيوسياسية هو الذي قاد في سبعينات القرن الماضي دبلوماسية استندت على فكرة دمج الصين في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي افضل من تركها خارجه .

بعد فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات الرئاسة الامريكية في نوفمبر الماضي راى كيسنجر في حديث لقناة « بلومبرج » إن واشنطن وبكين « تنزلقان بشكل متزايد نحو المواجهة وتديران دبلوماسيتهما بشكل صدامي » ؛ محذرا الرئيس بايدن من « الانجراف في هذا التوجه » . كما اشار عليه ب « إعادة ربط جسور التواصل عاجلا مع الصين بعدما تضررت خلال سنوات حكم الرئيس دونالد ترامب ، وذلك لتفادي أزمة قد تؤول إلى مواجهة عسكرية كارثية مماثلة للحرب العالمية الاولى » .

وعلى الرغم من تعقيدات العلاقة بين واشنطن وبكين والخطورة التي تراها واشنطن لصعود الصين المضطرد في مجالات متعددة على الامن القومي الامريكي والمصالح الامريكية في العالم فان وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومعه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان شدا الرحال الى ألاسكا الاسبوع الماضي ليعقدا اجتماعا وصف بانه « استراتيجي » مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي ووزير الخارجية وانغ يي.

هذا الاجتماع اعطى صورة اكثر وضوحا لمؤشرات السياسة الامريكية نحو بكين ؛ وهي التركيز على بناء سياسة تجاه الصين قائمة على التحالفات ؛ والتنسيق مع حلفاء واشنطن لمواجهة الصين الخارجية .
الكثير من المحللين اعتقدوا ان حربا ستقع مع الصين في عهد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ؛ حتى انهم وضعوا تواريخ وتكهنات لهذه الحرب . كيسنجر غير مستثنى من السياسيين في هذا المجال لكنه توقع ان تنساق العلاقات الحالية بين البلدين لـ « مواجهة عسكرية كارثية » .

لا اعتقد ان هذه المقاربات او التحركات ستنتهي بين واشنطن وبكين لان ما بين العاصمتين مصالح و رؤى استراتيجية تهم الامن القومي لكليهما ؛ والفائز من ينجح في ادارة الخلاف وتحقيق مصالح امنه القومي بعيدا عن الحرب لانها اذا اشتعلت فلن تبقي ولن تذر على خلفية الامكانات الهائلة التي يمتلكها الجانبان ، إن في المجال العسكري او النووي او السايبري ؛ لكن ما يهمنا – نحن شعوب المنطقة – هو : كيف ستنعكس هذه العلاقة على بلداننا في ظل التدافع السياسي والاقتصادي الحاد على مناطق النفوذ .

مما لاشك فيه ان « جائحة كورونا » وتداعياتها لعبت دورا مؤثرا في العلاقات الدولية . وفي مرحلة ما بعد كورونا تبدو التطورات اكثر حساسية ؛ حتى ان اللقاحات اخذت تستخدم كسلاح في ايجاد محاور جديدة واستقطابات دولية .

اعتقد ان « مرحلة ما قبل كورونا ليس كما بعدها » ؛ وعلينا ان نستعد للمرحلة الجديدة . كيسنجر الذي يؤمن بـ « الواقعية السياسية » دعا الى احترام المحاور الجديدة للخروج من الحرب الباردة الجديدة المكلفة للولايات المتحدة ؛ والى الانسجام مع مرحلة ما بعد كورونا « وأن يكون التهديد الوبائي المشترك للجميع فرصة لإعادة مد الجسور بين بكين وواشنطن » .

التدافع الجديد بين الولايات المتحدة والصين يضع الدول المحايدة في موقف اكثر صعوبة ، و احدى المناطق التي قد تشهد تصاعدا في حدة التنافس بين الجانبين هي الشرق الاوسط ، وهناك مراجعة استراتيجية شاملة لوضع القوات الامريكية في المنطقة اعلنها وزير الدفاع لويد اوستين ؛ تتزامن مع رغبة في انهاء حرب اليمن ؛ واعادة احياء مسار التفاوض حول الملف النووي الايراني كما شرح المندوب الامريكي روبرت مالي الذي اعطى اهمية كبرى للتوصل مع الايرانيين الى حل يشمل المنطقة بأسرها .

ويمكن اعتبار الشرق الأوسط المجال الحيوي الوحيد في العالم الذي تلتقي فيه مصالح الصين مع الولايات المتحدة ؛ والسبب في ذلك ليس فقط رغبة بكين في عدم تحمُّل أعبائها مع واشنطن ، لكن أيضاً تراجع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة خلال السنوات الماضية.

اقتصاديا ؛ تمر أغلب دول المنطقة بتحولات عميقة في هذا المجال ، تشمل تغييرات بنيوية، من قبيل التحول من الاعتماد على النفط إلى الرقمنة، وتحديث روافد الاقتصادات الوطنية. والعلاقات مع الصين في قلب هذه الخطط ؛ إذ أصبحت بكين أكبر شريك تجاري لعدد كبير من دول المنطقة منذ عام 2016، فيما تحاول دول ربط اقتصادياتها مع الصين في اطار مبادرة « الحزام والطريق ».

وكما تحاول الصين التوازن في علاقاتها مع الخصوم في الشرق الأوسط، فان ذلك سيدفع دول الشرق الأوسط،لاعادة صياغة علاقاتها مع القوى الكبرى بما يحقق مصالحها ، لان المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة مع الصين تعتبر « اكبر تحد جيوسياسي في القرن الـ 21 » .
U2saleh@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *