وسام رشيد
كانت تصدر المشهد الاعلامي في العراق كونها منطقة ساخنة تعاني الارهاب ونقطة تلاقي كل الجماعات المسلحة في العراق والاقليم المجاور خاصة بعد عام 2014 وسيطرة ما سمي بتنظيم الدولة الاسلامية على معظم مناطق سوريا واجزاء مهمة من العراق، والمعاصرون لتلك الفترة يتذكرون جيداً الصورة لحجم الدمار العمراني والاقتصادي، واثره في نفوس ما تبقى من سكان المدن في هذه المحافظة المترامية الاطراف بين ثلاث دول مهمة ذات تأثير متباين على الوضع العراقي، وتجاوز حجم المأساة في منظر لا يقل بشاعة عن مخلفات القصف والقتل والتشريد، في معسكرات اللجوء وعلى حدود المدن المجاورة كـبغداد او الدول او اقليم كردستان العراق، اذ دفع سكان محافظة الانبار ثمناً باهضاً نتيجة التصرفات غير المسؤولة للسلطات المحلية في الرمادي او المركزية في بغداد.
ولا بُد من الاعتراف حقاً ان مبادرة انبارنا الصامدة التي اطلقت في عام 2014 قد استشفت خطراً قادم قد يحدق في العراق وخاصرته الرخوة المنطقة الغربية التي تعاني مشكلات كبيرة على الصعيد الامني والاعتقالات العشوائية ونظام المخبر السري وغيرها من الجيوب المشبوهة التي نمت في كثير من المناطق، اما على الصعيد الاقتصادي فقد كانت المحافظة تعاني الشللك في هذا القطاع، وبسبب تداعيات الوضع السياسي والاداء غير المسؤول لجملة الاحزاب والحركات التي كانت تتمتع بمراكز قوى آنذاك.
كل تلك المشاهد غير الطبيعية كانت حاضرة في ذاكرة الانبار مواطنين وحكومة بعد تحرير المدينة بشكل نهائي عام 2017، والشروع بنمط ادارة تختلف عن سابقاتها في الطرح والاداء والتنفيذ واعتماد الشخصيات المنفذة.
اصبح محمد الحلبوسي محافظاً للانبار وهو شاب من الجيل الثاني للعملية السياسية في العراق، ومن ابناء الداخل وما تفرضه هذه الميزة من مشروع اجتماعي سياسي بواجهة ثقافية لحمل هموم المدينة، ورفع المظالم المتعددة ولسنوات عديدة، اذ كانت لحظات حاسمة تحولت فيها المسارات بمختلف الخطى خطابياً، فقد وضع اسساً لتجاوز الماضي بكل صوره ومشاهده السابقة في تبني عملية بناء تبدأ من نقطة محددة وتمتد على مستويات عليا في استيعاب الطاقات وتوجيهها لبناء المدينة واحداث تطور ملحوظ يساهم في ترميم ثقة المواطنين باجهزة الدولة ويعطي انطباعات ايجابية حول جدوى اسناد الحكومة المحلية التي تأخذ على عاتقها مسؤولية ايجاد مخارج مقنعة لسلسلة الخسائر الفادحة التي حلت بالمدينة دون اسباب واضحة.
مهمة ادارة المدينة اختلفت باختلاف متطلبات المرحلة اولاً، واهداف الجمهور الذي بات يبحث عن الامن والاعمار والاستقرار الاقتصادي والمعيشي ثانياً، هذه المعادلة كانت منتجة سريعاً فقد تفاعل معها غالبية المواطنين، رغم انها ادت الى انزعاج من ساسة الاحزاب ( الحرس القديم) وشنهم هجمات منظمة اتخذت اشكالاً اعلامية او حراكات سياسية مرة للضغط ومرة لايقاف مشروع الاعمار.
احدثت تلك الخطوات الجريئة تحولات جوهرية في نمط السلوك المجتمعي الذي انعكس سياسياً وتبلور ليصل في ذلك الطموح للوصول الى مراكز متقدمة في جسد النظام الحكومي في بغداد، وتستعيد مكانة المدينة المؤثرة في صناعة القرار السياسي بالحد الدي يؤمن تمثيلاً عادلاً لابناء المدينة، وهذا المشهد الاخير دائما ما يثير غبطة ابناء المناطق الجنوبية الذين لا يجنون من تصديرهم للسياسسين الى بغداد سوى مزيداً من الندم المتراكم والاحباط، بالعكس تماماً لما يشعر به ابناء الغربية، والذي تحول الى برامج تملىء افق مخيلات ابنائها انتاجاً ونجاحاً وتَصدر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *