د. احمد الميالي
واحدة من اهم نظريات دراسة القيادة هي النظرية التفاعلية والتي تعتبر القيادة محصلة لشخصية الفرد وتفاعلها الحركي والديناميكي مع المنظومة الاجتماعية ، فلا يكفي ان تتسم القيادة ببعض السمات والخصائص كالعبقرية والقدرات والهيبة والنفوذ والكاريزما، بل يجب ان تتسم بالقدرة على التفاعل والتواصل مع الجماعات البشرية لتحقيق اهدافها ، ونظام التفاعل مع المجتمع يجعل من القيادة ميدانية ومؤثرة وتصبح وكأنها واحدة من الادوار التي تفرزها الجماعة، وتؤدي الى اتساع قدرة القائد على الانجاز من خلال الاعتماد على التأييد والدعم اضافة الى قدرته وثقته بنفسه ومايتحلى به من مهارات سياسية ومدى قدرته على الاتصال بمجموعات من الافراد ذوي الاتجاهات والميول المتعددة والمختلفة تدعم موقفه وتركز العلاقة بينه وبين عمله وتحقيق التطابق مع المجتمع بشكل كامل.
هنا تصبح القيادة بؤرة سلوك الجماعة واعضائها واساس توجيه ذلك السلوك بمعنى اخر تتفاعل النوايا الواعية للقيادة وسلوكه القولي والفعلي مع المجتمع بما يجعلهم يتصرفون بالفعل بما يتفق مع هذه النوايا عن رغبة واقتناع.
في العراق وكل المجتمعات مابعد النزاع والصراع فان عملية بناء الدولة والمجتمع تغيب عنها المؤسسات في المراحل الاولى وتقع مهمة اعادة البناء على عاتق القيادة السياسية، فيما لو كانت هذه القيادة تمثل انعكاسا لتفاعل مستمر لمطالب واهتمامات وتوجهات المجتمع الحيوية السائدة، اي تكون هذه القيادة العامل المحفز لهذا التفاعل وحلقة الوصل بين الدولة والمجتمع بحيث تصير المحور الذي ترتكز حوله عملية التفاعل والتأثير المتبادل بين مختلف مكونات عملية بناء الدولة.
وبالتالي فان اي مجتمع تحكمه قيادة سياسية تقليدية جامدة ترفض التفاعل والتواصل معه وتفرض على جماهيرها حالة من الجمود والعزلة لن يشهد اي بناء او اصلاح او تغيير ، بينما في مجتمع توجد فيه قيادة تتبنى برامج للتطور والتقدم والبناء وتتفاعل وتتواصل ميدانيا ونفسيا معه ستؤتي نجاحا يختلف في سياساته واهدافه ونتائجه عن مجتمع اخر في ظل قيادة هرمة تقليدية متحجرة.
في العراق من المهم دعم القيادات التواصلية مع المجتمع والتي تفهم سلوكياته واهتماماته ميدانيا ونفسيا، ولاحظنا وتابعنا مؤخرا الادوار الميدانية *لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي* في الاوساط الاجتماعية والمحلية في مناطق مختلفة ولقاءه بالفاعلين المحليين وعامة الناس في تلك المناطق . هذا التوجه والتواصل والتفاعل الحركي الديناميكي يعكس حالة ايجابية في اعادة الاعتبار للسياسة والسلطة واحترامها في الواقع الاجتماعي.
العراق بحاجة الى هكذا قيادة تجمع بين التواضع والوضوح والاعتدال وشمول الرؤية مع قوة الارادة السياسية والاصرار والمثابرة على الانجاز للشروع بعملية انهاء المراحل الاولى لبناء الدولة في العراق.